الترغيب في البداءة بالخير ليستن به والترهيب من البداءة بالشر خوف أن يستن به
صفحة 1 من اصل 1
الترغيب في البداءة بالخير ليستن به والترهيب من البداءة بالشر خوف أن يستن به
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة الكرام ، جاء في كتاب الترغيب والترهيب في فصل الترغيب في المسارعة إلى الخير ، والبداءة به ليستن به ، والترهيب من عكسه .
فقد أخبرنا المنذر بن جرير عن أبيه فقال :
(( كُنَّا في صَدْرِ النهارِ عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه قَوم عُرَاة مُجتابي النِّمار ، أو العَباءِ ، مُتَقَلِّدي السيوفِ ، عامَّتُهم من مُضَرَ ، بل كلُّهم مِنْ مُضَرَ - فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : لما رأى بهم من الفَاقة )) .
[ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] .
ثيابهم أثمال ، جلدهم مفتقر إلى الطعام والشراب ، في العين المجردة رأى النبي بأسهم ، رأى النبي فاقتهم وفقرهم .
(( فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ تغير لونه ـ لما رأى بهم من الفَاقة فدخل ثم خَرَجَ ، فأمر بلالاً ، فأذَّن وأقام فصلَّى ، ثم خَطَبَ ، فقال : )) .
يتضح قبل أن نتابع الحديث أنه كاد الفقر أن يكون كفراً ، وأنه ما ذهب الفقر إلى بلد إلا قال الكفر خذني معك ، وأن الله سبحانه وتعالى ما أرادنا أن نكون هكذا ، لذلك العلماء فرقوا بين فقر الكسل ، وفقر القدر ، فقر القدر محترم ، وننهض جميعاً لمساعدته ، لكن فقر الكسل ليس محترماً ، هو كسل ، وتسيب ، وتسويف ، فقال :
(( فقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ، اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ، تصدَّق رَجُل مِن دِينارِهِ ، من دِرْهَمِهِ من ثوبِهِ ، من صاع بُرِّه ، من صاع تَمرِهِ ، حتى قال : ولو بشِقِّ تمرة )) .
أي لا يوجد شيء أحب إلى عز وجل من التعاون ، لا يوجد شيء أحب إلى الله من أن يكون المؤمنون أسرة واحدة ، ينهض قويهم بضعيفهم ، غنيهم بفقيرهم ، الذي كفاه الله عز وجل لمن هو محتاج إلى أخيه .
(( ولو بشِقِّ تمرة قال : فجاء رَجُل من الأَنصار بصُرَّة ، كادت كَفُّه تعجِزُ عنها بل قد عَجَزَتْ ، قال : ثم تتابع الناسُ ، حتى رأيتُ كَوْمَيْنِ من طعام وثياب ، حتى رأَيتُ وجهَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَهَلَّلَ كأنه مُدْهَنَة ـ أي مذهب ـ )) .
أول الأمر تمعر وجهه ، ثم أصبح وجهه مذهبة ، بلون الذهب من شدة فرحه .
الحقيقة الحديث تتمته ، فقال :
(( فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء ، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده ، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء )) .
[ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] .
الآن هناك مشكلة ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) .
[ أخرجه مسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله] .
هذا البارحة مرّ بنا ، اليوم هناك شيء جديد :
(( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة )) .
كيف نوفق بين الحديثين ؟ العلماء قالوا : هناك بدعة في الدين ، وهناك بدعة في اللغة ، كل شيء جديد بدعة ، الدين لا يحتمل أن تضيف عليه شيئاً ، لأن الله أكمل هذا الدين وأتم نعمته على عباده ، أكمله عدداً ونوعاً ، أي عدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً ، لا يحتمل الإضافة ، ولا يحتمل الحذف ، وطريق المعالجة كاملة ، فكيف نقبل سنة جديدة ؟ العلماء قالوا : هذه السنة في اللغة شيء لم يكن من قبل .
ذكرت البارحة : إنسان دفأ مسجداً ، أنار مسجداً ، كبر الصوت ، وضع سجاداً موحداً ، عمل ماء ساخناً ، عمل ماء حاراً ، عمل ماء بارداً في الصيف ، طبع كتاباً ، عمل مصحفاً مرتلاً ، أي شيء جديد يتعلق بالعقيدة والعبادة هذا نضعه تحت مظلة البحث ، أي شيء جديد ، فإما أن يوافق حكماً شرعياً ، فهو على العين والرأس ، وإما أن خالف حكماً شرعياً فهو مرفوض ، وإما أن يكون هذا الشيء حيادياً ، حكمه موقوف على طريقة استعماله، التصوير بالأعراس يخالف حكماً شرعياً هذا لم يكن من قبل ، هذا مرفوض ، محرم تحريماً كلياً ، تكبير صوت بالمسجد ، المسجد فيه أبهاء كثيرة ، نقلنا الصوت لكل الأبهاء ، اتسع إلى خمسة أضعاف حجم الحرم بنقل الصوت ، هذا شيء يتوافق مع نشر الحق ، آلة تسجيل هذه موقوفة ، إن استخدمت في سماع القرآن ودروس العلم حلال ، أما إذا استخدمت في سماع الأغاني الساقطة وغير الساقطة فحرام .
صار كل شيء جديد اسمه بدعة في اللغة لا في الدين ، هذا تنطبق عليه الأحكام الشرعية الثلاثة ، إما الإباحة ، وإما التحريم ، وإما أن يكون واجباً أن نفعله .
(( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حسنة )) .
لا بالعقيدة ولا بالعبادات ، أنا سمعت بإفريقيا إذا توفي الإنسان فكل إنسان يعزي يدفع مبلغاً من المال لهذه الأسرة ، توفى الرجل ترك أولاداً أيتاماً ، أثناء التعزية تجمع مئة ألف ، ثلاثمئة ألف ، نصف مليون ، هذا المبلغ يكون أساس استمرار الأسرة ، بمحل تجاري، بعمل ، بمشروع ، بتأمين زواج ، العرف هناك لو أن المتوفى غني أو مكتف هذا المبلغ يوزعه على روح المتوفي ، يأخذه إن كان بحاجة إليه ، يوزعه إن لم يكن بحاجة إليه ، فصارت مناسبة الوفاة مناسبة مساعدة ، الجميع ينهضون بهذا الذي ترك هذه الأسرة ، هذا شيء لم يكن من قبل ، سنة حسنة ، في التعاون .
عملنا جمعية تأسيس بيوت للفقراء ، عملنا جمعية تزويج للشباب ، عملنا جمعية خيرية ، عملنا ميتماً ، دار أيتام ، يمكن أن يتفتق ذهننا عن آلاف المشاريع التي هي لصالح المسلمين ، يمكن أن نعمل جمعية تعاونية ، يمكن أن نعمل جمعية تضامن ، يمكن أن ننشئ بكل حي مستوصفاً ، يمكن أن نوزع مواد تموينية ، يتفتق ذهن الإنسان عن آلاف الأعمال الصالحة ، هذا من السنة الحسنة ، أما أن يتفتق ذهنك عن أن تضيف شيئاً في العقيدة ، أن تدعي أن أب النبي نبي ، وأن أمه نبية ، ولا نبية في الإسلام ، هناك أشياء تضاف على الإسلام ليست من الدين ، هناك أشياء تضاف على العقيدة ليست من العقيدة .
إذاً : فرقوا بين البدعة في الدين ، والبدعة في اللغة ، البدعة في اللغة نفحصها إن وافقت نصاً شرعياً نقبلها ، إن خالفت نصاً شرعياً نرفضها ، إن لم يكن هناك نص يؤيدها ولا نص يحرمها نقول : الأصل في الأشياء الإباحة ، البدعة في اللغة الشيء الجديد ، الذي لم يكن من قبل .
أنا زرت بلبنان مسجداً ، مساحته صغيرة جداً تقريباً ربع هذا المكان ، بحي كثيف جداً ، المسجد أربعة طوابق ، بكل طابق وضعوا أجهزة تنقل الصورة ، في أي مكان أنت في المسجد ترى الخطيب يخطب ، والأجهزة كبيرة جداً تنقل الصورة ، شيء جميل أن نستخدم التكنولوجيا ، في التحايل على مساحة صغيرة ، عملنا لها طوابق ، هذا لم يكن من قبل على عهد النبي ، لم يكن هناك مسجد أربعة طوابق ، والذي يجلس في الطابق الأسفل يرى الخطيب كما هو بأجهزة كبيرة جداً ، واضحة جداً ، لا يوجد مانع إن استخدمنا التكنولوجيا في مساجدنا ، في بيوتنا ، طبعاً من دون أن يكون هناك شيء آخر يناقض هذا الشيء .
إذاً البدعة في اللغة موقوفة على الأحكام الشرعية ، إما أن توافق حكماً شرعياً مبيحاً ، وإما أن تخالف حكماً شرعياً محرماً ، وإما أن يكون حكمها حكم موقوف على نوع استخدمها ، يمكن أن نستخدم شيئاً استخداماً شرعياً ، أما في الدين ، في العقيدة :
(( كل محدثة بدعة )) .
لأنك عندما تضيف تتهم الأصل بالنقص ، كأنك استدركت على الله ، أي أن الله نسي هذه القضية فأنت أضفتها ، أنت حينما تضيف في عقيدة الإسلام ، وفي عباداته كأنك استدركت على الله ، وكأنك اتهمت الدين بالنقص .
( سورة المائدة الآية : 3 ) .
إذاً نوفق بين الحديثين :
(( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) .
هذا في العقائد والعبادات ، أما في أمور الدنيا ، الآن هناك أجهزة حديثة ، أنا لا أحرم ولا أحلل ، هناك جهاز يمكن أن يسخن الطعام بثوان معدودة ، لعل فيه خطراً لأنه قائم على الإشعاعات ، لو فرضنا ثبت أنه ليس خطراً ، إنسان مستعجل سخن الطعام بثانية ، والصحن بارد بعده ، فإن كان هناك شيء يقدم خدمة ، ويريح الناس لا يوجد مانع ، نحن لسنا ضد الجديد ، لكن ضد البدعة في الدين ، النبي قال :
(( أصلحوا دنياكم و اعملوا لآخرتكم)) .
[ السيوطي عن أنس] .
يمكن أن تحل مشكلات كثيرة ، يقول لك : تدفئة مركزية ، تسخين ماء على الأشعة الشمسية ، كل شيء جديد يتوافق مع الجو العام للإسلام لا يوجد مانع ، الإنسان ينتقل من مكان لمكان بدابة ، ينتقل بسيارة ، ينتقل بطائرة ، ينتقل بباخرة ، ينتقل بقطار سريع ، هذا شيء ليس له علاقة ، تطوير الحياة الدنيا بالإسلام معه وليس ضده ، من دون أن نخرج عن منهج الله عز وجل ، هناك أشياء كثيرة بالبيت مريحة تحل مشكلة .
ذكرت البارحة نقطة دقيقة ، المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، قاعدة .
النبي رأى رجلاً يقف في الشمس ، فعجب من أمره ، قال : ما شأن هذا ؟ قال نذر أن يقف في الشمس ، شمس الحجاز وليست شمس دمشق ، شمس الحجاز درجة الحرارة تقدر بست و خمسين درجة تحت الشمس ، و أحياناً تقدر بستين درجة ، شيء لا يحتمل ، دقائق يصاب الإنسان بضربة شمس فيموت ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ مُرْهُ فَلْيَرْكَبْ)) .
[ النسائي عن أنس] .
المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، الآن يمكن أن تحج بالطائرة بساعتين إلى جدة ، والمشي أربعة أشهر ، هل تصدقون الآن أن الله لا يقبل من الحاج أن يأتيه ماشياً لأن هناك طائرة وهو ميسور الحال ، هناك سيارة ، هناك قطار مثلاً ، هناك باخرة ، أما يوم كان الحج مشياً فقط ، هذه مشقة ، طريق إجباري وحيد عندئذٍ هي مقبولة ، حينما تكون المشقة طريقاً واحداً إلى طاعة الله نرحب بها .
مثلاً ، ليس هناك أغلى من الوطن ، والدليل :
( سورة النساء الآية : 66 ) .
ومع ذلك لو أنك في مكان مجبر على معصية ، مجبر ألا تقيم شعائر الله ، الإسلام يقتضي أن تضحي بمسقط رأسك ، وأن تذهب إلى مكان تعبد الله فيه .
( سورة العنكبوت ) .
هناك مشقة ، طبعاً إنسان اقتلع من جذوره ، ترك بيته ، ترك تجارته ، ترك مكانته ، صار بمكان آخر إنساناً غريباً ، مشقة كبيرة جداً ، لكن لأن هذه المشقة طريق إجباري إلى طاعة الله نرحب بها ، المشقة لا تطلب لذاتها ، تطلب لطاعة الله ، تطلب للجنة ، أما أن نطلبها لذاتها غير مقبول إطلاقاً .
(( من سنّ في الإسلام سنة حسنة )) .
شيء ريح الناس ، الآن هناك أشياء كثيرة تريح الناس ، لم يكن على عهد النبي كهرباء ، إذاً أطفئوا النور و أحضروا الشمع ، هذا الكلام غير معقول إطلاقاً ، بكبسة زر تجد أن كل الجامع قد أضاء ، يجب أن نعود إلى السراج ، وإلى الشمع ؟ مستحيل هذا الكلام ، على عهد النبي لم يكن هناك سيارة فلن نركب السيارة ، هذه ليس لها علاقة بالدين ، بالعكس هذه تصلح لنا دنيانا ، تجد شخصاً من أطراف الدنيا ، هناك أخوان يأتون من مكان بعيد ليصلوا الفجر ، لا يستطيع أن يأتي مشياً في الصباح ، فجاء بهذه السيارة ، إذاً :
(( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة )) .
أما الشيء اللطيف :
(( مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء )) .
[ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] .
من دون أن نكون مبالغين ، لو فرضنا أن إنساناً قال : أين أستثمر مالي ؟ قيل له : هذه الجهة تعطيك أرباحاً طائلة ، وضع هذا المال في هذه الجهة ، هذه الجهة التي تعطي أرباحاً طائلة أعطت مثل هذا الربح لمن دله على هذه المؤسسة ، معقول ؟ تعطيك مليون ومليون لمن دلها عليك ، فكل إنسان يدل على الخير له أجر مثل فاعل الخير ، والدال على الخير كفاعله .
فأنت إذا اعتنيت بإنسان حتى اهتدى إلى الله أعماله كلها ، صدقاته كلها ، صلواته كلها ، زكاته كلها ، أعماله الصالحة ، بيته ، أسرته عاش عشرين أو ثلاثين سنة هدى مئة إنسان ، وكل إنسان هدى عشرين ، ليوم القيامة وجد وراءه خمسمئة ألف ، كلهم في صحيفتك ومن دون أن ينقص من أجره شيء ، هذا عطاء كبير .
أيها الأخوة ، صدقوني ، أي شركة ضخمة في العالم ، إذا إنسان امتلكها يكون أكبر غني في العالم ؟ أنا مرة قرأت خبراً صغيراً ، شركة سيارات بألمانيا عندها فائض نقدي لا تجد أين تستثمر ألف مليون دولار ، شركة سيارات ، هذه الشركات الضخمة .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول : يا علي :
(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )) .
[ متفق عليه عن سهل بن سعد] .
و : (( يَا عَلِيٌّ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ )) .
[ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ] .
و : ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها)) .
[ متفق عليه عن سهل بن سعد] .
أن تعتني بإخوانك ، تتفقدهم ، أحياناً إنسان يغيب شهراً لا أحد يسأل عنه ، معنى هذا أنه ليس له قيمة ، أنت تفضلت وخبرته ، اتصلت به هاتفياً ، زرته ، أين أنت يا فلان ؟ والله اشتقنا لك ، الأخوان سألوا عنك ، تنعشه ، معنى هذا أنا غال على أخواني ، و عندما غبت عنهم افتقدوني ، هذا عمل عظيم ، تفقدت أخوانك ، سألت عنهم ، مرض عدته ، افتقر أعنته ، بحاجة إلى شيء عاونته ، اعتنيت به ، فوجد عطفاً ، و اهتماماً ، و متابعة ، و إحساناً، فقال لك : أنا أريد أن آتي معك ، فالتزم ، واستقام ، وتاب ، كل هذا بصحيفتك ، أحياناً إنسان يضطر أن يتابع إنساناً ، يزوره ، يعتني به ، يعطيه شريطاً ، يجلس معه ، يخدمه أياماً بأمور الدنيا ، إلى أن يميل قلب هذا الإنسان إليه ، فينضم إلى جامعه ، ويستقيم ، ويتصل بالله ، هذا أحسن من أن تملك أضخم شركة بالعالم ، فائضها النقدي ألف مليون دولار، لأن هذا المال يترك عند الموت ، أما هذا العمل معك إلى الجنة .
الحديث الأخير :
(( مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ ، لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً )) .
[ رواه مسلم عن أبي هريرة] .
شبهة روجتها ، جهاز عممته ، فيه فسق ، فيه فجور ، فيه سهر للساعة الخامسة صباحاً ، فيه مناظر إباحية ، الابن رآه بالليل خلسة ، بغياب الأب ، الأب اضطر أن يسافر الابن علق فيه ، ترك صلاته ، وترك دينه ، وترك حفظه لكتاب الله ، ولحق الأمور الجنسية من وراء هذا الجهاز ، هذه عمل خطير جداً .
(( ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً )) .
هناك ضلالات فكرية ، كتاب ، أنا أحياناً أعجب كيف أن هناك مكتبة تبيع كتاباً كله ضلالات ، أخي هذا عملنا ، صاحب المكتبة المؤمن لا يبيع إلا كتاب حق ، و إلا فهو آثم، يروج كتاباً فيه ضلالات ، أحياناً دور نشر تطبع كتاباً كله ضلالات ، تريد أن تربح ، يقول لك : أريد أن أعيش ، هذا غلط كبير .
(( ومن دعا إلى ضَلالَة )) .
ولو طفيفة ، إياك أن تكون سبباً في معصية ، أحتاج أستاذاً لابنتي ، على عيني عندي أستاذ جيد جداً ، اخترت له أستاذاً جلس مع ابنته على انفراد ، هذه خلوة ، أستاذ رياضيات جلس مع طالبة بكلوريا بغرفة لوحدهم ، هذه خلوة ، إن صار شيئاً أنت مسؤول ، وأغلب الظن يصير ألف شيء ، ما دام جمعت بين شاب وشابة في خلوة فأنت مسؤول ، والله أنا نصحتهم بأستاذ ممتاز بالرياضيات ، لا يوجد أرقى من هذا ، لكن صار هناك خلوة بالنصف .
إذا كان في معصية ، في شبهة ، أحياناً يدلك على تجارة لكن البضاعة محرمة لها إشكالات كثيرة جداً ، يقول لك : هذا عملنا.
إذاً هذين الحديثين خطيرين جداً :
(( مَنْ دعا إلى هُدى ، ومن دعا إلى ضَلالَة ، مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ )) .
هذا شيء يدفع الأخوان الكرام أن يبحث كل واحد منهم عن إنسان من أقربائه ، من جيرانه ، من زملائه ، أولاده ، من يلوذ به ، أولاد خالته ، أولاد عمته ، يعتني بهم ، يزورهم ، يتفقدهم ، يسمعهم شريطاً ، يلقي عليهم كلمة ، يهديهم هدية أحياناً ، يستجلب قلبهم ، حتى يهتدوا ويستقيموا ، هذه أعظم تجارة على الإطلاق ، أنا أحياناً أقول للإخوان : هذا الأخ الذي اعتنيت به حتى اهتدى إلى الله ، والله خير لك من ألف مليون دولار ، لأن هذا المبلغ الضخم تتركه في الدنيا وتذهب وحدك إلى الآخرة ، أما هذه الهداية تذهب معك إلى الجنة .
والحمد لله رب العالمين
أيها الأخوة الكرام ، جاء في كتاب الترغيب والترهيب في فصل الترغيب في المسارعة إلى الخير ، والبداءة به ليستن به ، والترهيب من عكسه .
فقد أخبرنا المنذر بن جرير عن أبيه فقال :
(( كُنَّا في صَدْرِ النهارِ عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه قَوم عُرَاة مُجتابي النِّمار ، أو العَباءِ ، مُتَقَلِّدي السيوفِ ، عامَّتُهم من مُضَرَ ، بل كلُّهم مِنْ مُضَرَ - فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : لما رأى بهم من الفَاقة )) .
[ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] .
ثيابهم أثمال ، جلدهم مفتقر إلى الطعام والشراب ، في العين المجردة رأى النبي بأسهم ، رأى النبي فاقتهم وفقرهم .
(( فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ تغير لونه ـ لما رأى بهم من الفَاقة فدخل ثم خَرَجَ ، فأمر بلالاً ، فأذَّن وأقام فصلَّى ، ثم خَطَبَ ، فقال : )) .
يتضح قبل أن نتابع الحديث أنه كاد الفقر أن يكون كفراً ، وأنه ما ذهب الفقر إلى بلد إلا قال الكفر خذني معك ، وأن الله سبحانه وتعالى ما أرادنا أن نكون هكذا ، لذلك العلماء فرقوا بين فقر الكسل ، وفقر القدر ، فقر القدر محترم ، وننهض جميعاً لمساعدته ، لكن فقر الكسل ليس محترماً ، هو كسل ، وتسيب ، وتسويف ، فقال :
(( فقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ، اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ، تصدَّق رَجُل مِن دِينارِهِ ، من دِرْهَمِهِ من ثوبِهِ ، من صاع بُرِّه ، من صاع تَمرِهِ ، حتى قال : ولو بشِقِّ تمرة )) .
أي لا يوجد شيء أحب إلى عز وجل من التعاون ، لا يوجد شيء أحب إلى الله من أن يكون المؤمنون أسرة واحدة ، ينهض قويهم بضعيفهم ، غنيهم بفقيرهم ، الذي كفاه الله عز وجل لمن هو محتاج إلى أخيه .
(( ولو بشِقِّ تمرة قال : فجاء رَجُل من الأَنصار بصُرَّة ، كادت كَفُّه تعجِزُ عنها بل قد عَجَزَتْ ، قال : ثم تتابع الناسُ ، حتى رأيتُ كَوْمَيْنِ من طعام وثياب ، حتى رأَيتُ وجهَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَهَلَّلَ كأنه مُدْهَنَة ـ أي مذهب ـ )) .
أول الأمر تمعر وجهه ، ثم أصبح وجهه مذهبة ، بلون الذهب من شدة فرحه .
الحقيقة الحديث تتمته ، فقال :
(( فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء ، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده ، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء )) .
[ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] .
الآن هناك مشكلة ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) .
[ أخرجه مسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله] .
هذا البارحة مرّ بنا ، اليوم هناك شيء جديد :
(( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة )) .
كيف نوفق بين الحديثين ؟ العلماء قالوا : هناك بدعة في الدين ، وهناك بدعة في اللغة ، كل شيء جديد بدعة ، الدين لا يحتمل أن تضيف عليه شيئاً ، لأن الله أكمل هذا الدين وأتم نعمته على عباده ، أكمله عدداً ونوعاً ، أي عدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً ، لا يحتمل الإضافة ، ولا يحتمل الحذف ، وطريق المعالجة كاملة ، فكيف نقبل سنة جديدة ؟ العلماء قالوا : هذه السنة في اللغة شيء لم يكن من قبل .
ذكرت البارحة : إنسان دفأ مسجداً ، أنار مسجداً ، كبر الصوت ، وضع سجاداً موحداً ، عمل ماء ساخناً ، عمل ماء حاراً ، عمل ماء بارداً في الصيف ، طبع كتاباً ، عمل مصحفاً مرتلاً ، أي شيء جديد يتعلق بالعقيدة والعبادة هذا نضعه تحت مظلة البحث ، أي شيء جديد ، فإما أن يوافق حكماً شرعياً ، فهو على العين والرأس ، وإما أن خالف حكماً شرعياً فهو مرفوض ، وإما أن يكون هذا الشيء حيادياً ، حكمه موقوف على طريقة استعماله، التصوير بالأعراس يخالف حكماً شرعياً هذا لم يكن من قبل ، هذا مرفوض ، محرم تحريماً كلياً ، تكبير صوت بالمسجد ، المسجد فيه أبهاء كثيرة ، نقلنا الصوت لكل الأبهاء ، اتسع إلى خمسة أضعاف حجم الحرم بنقل الصوت ، هذا شيء يتوافق مع نشر الحق ، آلة تسجيل هذه موقوفة ، إن استخدمت في سماع القرآن ودروس العلم حلال ، أما إذا استخدمت في سماع الأغاني الساقطة وغير الساقطة فحرام .
صار كل شيء جديد اسمه بدعة في اللغة لا في الدين ، هذا تنطبق عليه الأحكام الشرعية الثلاثة ، إما الإباحة ، وإما التحريم ، وإما أن يكون واجباً أن نفعله .
(( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حسنة )) .
لا بالعقيدة ولا بالعبادات ، أنا سمعت بإفريقيا إذا توفي الإنسان فكل إنسان يعزي يدفع مبلغاً من المال لهذه الأسرة ، توفى الرجل ترك أولاداً أيتاماً ، أثناء التعزية تجمع مئة ألف ، ثلاثمئة ألف ، نصف مليون ، هذا المبلغ يكون أساس استمرار الأسرة ، بمحل تجاري، بعمل ، بمشروع ، بتأمين زواج ، العرف هناك لو أن المتوفى غني أو مكتف هذا المبلغ يوزعه على روح المتوفي ، يأخذه إن كان بحاجة إليه ، يوزعه إن لم يكن بحاجة إليه ، فصارت مناسبة الوفاة مناسبة مساعدة ، الجميع ينهضون بهذا الذي ترك هذه الأسرة ، هذا شيء لم يكن من قبل ، سنة حسنة ، في التعاون .
عملنا جمعية تأسيس بيوت للفقراء ، عملنا جمعية تزويج للشباب ، عملنا جمعية خيرية ، عملنا ميتماً ، دار أيتام ، يمكن أن يتفتق ذهننا عن آلاف المشاريع التي هي لصالح المسلمين ، يمكن أن نعمل جمعية تعاونية ، يمكن أن نعمل جمعية تضامن ، يمكن أن ننشئ بكل حي مستوصفاً ، يمكن أن نوزع مواد تموينية ، يتفتق ذهن الإنسان عن آلاف الأعمال الصالحة ، هذا من السنة الحسنة ، أما أن يتفتق ذهنك عن أن تضيف شيئاً في العقيدة ، أن تدعي أن أب النبي نبي ، وأن أمه نبية ، ولا نبية في الإسلام ، هناك أشياء تضاف على الإسلام ليست من الدين ، هناك أشياء تضاف على العقيدة ليست من العقيدة .
إذاً : فرقوا بين البدعة في الدين ، والبدعة في اللغة ، البدعة في اللغة نفحصها إن وافقت نصاً شرعياً نقبلها ، إن خالفت نصاً شرعياً نرفضها ، إن لم يكن هناك نص يؤيدها ولا نص يحرمها نقول : الأصل في الأشياء الإباحة ، البدعة في اللغة الشيء الجديد ، الذي لم يكن من قبل .
أنا زرت بلبنان مسجداً ، مساحته صغيرة جداً تقريباً ربع هذا المكان ، بحي كثيف جداً ، المسجد أربعة طوابق ، بكل طابق وضعوا أجهزة تنقل الصورة ، في أي مكان أنت في المسجد ترى الخطيب يخطب ، والأجهزة كبيرة جداً تنقل الصورة ، شيء جميل أن نستخدم التكنولوجيا ، في التحايل على مساحة صغيرة ، عملنا لها طوابق ، هذا لم يكن من قبل على عهد النبي ، لم يكن هناك مسجد أربعة طوابق ، والذي يجلس في الطابق الأسفل يرى الخطيب كما هو بأجهزة كبيرة جداً ، واضحة جداً ، لا يوجد مانع إن استخدمنا التكنولوجيا في مساجدنا ، في بيوتنا ، طبعاً من دون أن يكون هناك شيء آخر يناقض هذا الشيء .
إذاً البدعة في اللغة موقوفة على الأحكام الشرعية ، إما أن توافق حكماً شرعياً مبيحاً ، وإما أن تخالف حكماً شرعياً محرماً ، وإما أن يكون حكمها حكم موقوف على نوع استخدمها ، يمكن أن نستخدم شيئاً استخداماً شرعياً ، أما في الدين ، في العقيدة :
(( كل محدثة بدعة )) .
لأنك عندما تضيف تتهم الأصل بالنقص ، كأنك استدركت على الله ، أي أن الله نسي هذه القضية فأنت أضفتها ، أنت حينما تضيف في عقيدة الإسلام ، وفي عباداته كأنك استدركت على الله ، وكأنك اتهمت الدين بالنقص .
( سورة المائدة الآية : 3 ) .
إذاً نوفق بين الحديثين :
(( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) .
هذا في العقائد والعبادات ، أما في أمور الدنيا ، الآن هناك أجهزة حديثة ، أنا لا أحرم ولا أحلل ، هناك جهاز يمكن أن يسخن الطعام بثوان معدودة ، لعل فيه خطراً لأنه قائم على الإشعاعات ، لو فرضنا ثبت أنه ليس خطراً ، إنسان مستعجل سخن الطعام بثانية ، والصحن بارد بعده ، فإن كان هناك شيء يقدم خدمة ، ويريح الناس لا يوجد مانع ، نحن لسنا ضد الجديد ، لكن ضد البدعة في الدين ، النبي قال :
(( أصلحوا دنياكم و اعملوا لآخرتكم)) .
[ السيوطي عن أنس] .
يمكن أن تحل مشكلات كثيرة ، يقول لك : تدفئة مركزية ، تسخين ماء على الأشعة الشمسية ، كل شيء جديد يتوافق مع الجو العام للإسلام لا يوجد مانع ، الإنسان ينتقل من مكان لمكان بدابة ، ينتقل بسيارة ، ينتقل بطائرة ، ينتقل بباخرة ، ينتقل بقطار سريع ، هذا شيء ليس له علاقة ، تطوير الحياة الدنيا بالإسلام معه وليس ضده ، من دون أن نخرج عن منهج الله عز وجل ، هناك أشياء كثيرة بالبيت مريحة تحل مشكلة .
ذكرت البارحة نقطة دقيقة ، المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، قاعدة .
النبي رأى رجلاً يقف في الشمس ، فعجب من أمره ، قال : ما شأن هذا ؟ قال نذر أن يقف في الشمس ، شمس الحجاز وليست شمس دمشق ، شمس الحجاز درجة الحرارة تقدر بست و خمسين درجة تحت الشمس ، و أحياناً تقدر بستين درجة ، شيء لا يحتمل ، دقائق يصاب الإنسان بضربة شمس فيموت ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ مُرْهُ فَلْيَرْكَبْ)) .
[ النسائي عن أنس] .
المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، الآن يمكن أن تحج بالطائرة بساعتين إلى جدة ، والمشي أربعة أشهر ، هل تصدقون الآن أن الله لا يقبل من الحاج أن يأتيه ماشياً لأن هناك طائرة وهو ميسور الحال ، هناك سيارة ، هناك قطار مثلاً ، هناك باخرة ، أما يوم كان الحج مشياً فقط ، هذه مشقة ، طريق إجباري وحيد عندئذٍ هي مقبولة ، حينما تكون المشقة طريقاً واحداً إلى طاعة الله نرحب بها .
مثلاً ، ليس هناك أغلى من الوطن ، والدليل :
( سورة النساء الآية : 66 ) .
ومع ذلك لو أنك في مكان مجبر على معصية ، مجبر ألا تقيم شعائر الله ، الإسلام يقتضي أن تضحي بمسقط رأسك ، وأن تذهب إلى مكان تعبد الله فيه .
( سورة العنكبوت ) .
هناك مشقة ، طبعاً إنسان اقتلع من جذوره ، ترك بيته ، ترك تجارته ، ترك مكانته ، صار بمكان آخر إنساناً غريباً ، مشقة كبيرة جداً ، لكن لأن هذه المشقة طريق إجباري إلى طاعة الله نرحب بها ، المشقة لا تطلب لذاتها ، تطلب لطاعة الله ، تطلب للجنة ، أما أن نطلبها لذاتها غير مقبول إطلاقاً .
(( من سنّ في الإسلام سنة حسنة )) .
شيء ريح الناس ، الآن هناك أشياء كثيرة تريح الناس ، لم يكن على عهد النبي كهرباء ، إذاً أطفئوا النور و أحضروا الشمع ، هذا الكلام غير معقول إطلاقاً ، بكبسة زر تجد أن كل الجامع قد أضاء ، يجب أن نعود إلى السراج ، وإلى الشمع ؟ مستحيل هذا الكلام ، على عهد النبي لم يكن هناك سيارة فلن نركب السيارة ، هذه ليس لها علاقة بالدين ، بالعكس هذه تصلح لنا دنيانا ، تجد شخصاً من أطراف الدنيا ، هناك أخوان يأتون من مكان بعيد ليصلوا الفجر ، لا يستطيع أن يأتي مشياً في الصباح ، فجاء بهذه السيارة ، إذاً :
(( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة )) .
أما الشيء اللطيف :
(( مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء )) .
[ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] .
من دون أن نكون مبالغين ، لو فرضنا أن إنساناً قال : أين أستثمر مالي ؟ قيل له : هذه الجهة تعطيك أرباحاً طائلة ، وضع هذا المال في هذه الجهة ، هذه الجهة التي تعطي أرباحاً طائلة أعطت مثل هذا الربح لمن دله على هذه المؤسسة ، معقول ؟ تعطيك مليون ومليون لمن دلها عليك ، فكل إنسان يدل على الخير له أجر مثل فاعل الخير ، والدال على الخير كفاعله .
فأنت إذا اعتنيت بإنسان حتى اهتدى إلى الله أعماله كلها ، صدقاته كلها ، صلواته كلها ، زكاته كلها ، أعماله الصالحة ، بيته ، أسرته عاش عشرين أو ثلاثين سنة هدى مئة إنسان ، وكل إنسان هدى عشرين ، ليوم القيامة وجد وراءه خمسمئة ألف ، كلهم في صحيفتك ومن دون أن ينقص من أجره شيء ، هذا عطاء كبير .
أيها الأخوة ، صدقوني ، أي شركة ضخمة في العالم ، إذا إنسان امتلكها يكون أكبر غني في العالم ؟ أنا مرة قرأت خبراً صغيراً ، شركة سيارات بألمانيا عندها فائض نقدي لا تجد أين تستثمر ألف مليون دولار ، شركة سيارات ، هذه الشركات الضخمة .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول : يا علي :
(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )) .
[ متفق عليه عن سهل بن سعد] .
و : (( يَا عَلِيٌّ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ )) .
[ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ] .
و : ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها)) .
[ متفق عليه عن سهل بن سعد] .
أن تعتني بإخوانك ، تتفقدهم ، أحياناً إنسان يغيب شهراً لا أحد يسأل عنه ، معنى هذا أنه ليس له قيمة ، أنت تفضلت وخبرته ، اتصلت به هاتفياً ، زرته ، أين أنت يا فلان ؟ والله اشتقنا لك ، الأخوان سألوا عنك ، تنعشه ، معنى هذا أنا غال على أخواني ، و عندما غبت عنهم افتقدوني ، هذا عمل عظيم ، تفقدت أخوانك ، سألت عنهم ، مرض عدته ، افتقر أعنته ، بحاجة إلى شيء عاونته ، اعتنيت به ، فوجد عطفاً ، و اهتماماً ، و متابعة ، و إحساناً، فقال لك : أنا أريد أن آتي معك ، فالتزم ، واستقام ، وتاب ، كل هذا بصحيفتك ، أحياناً إنسان يضطر أن يتابع إنساناً ، يزوره ، يعتني به ، يعطيه شريطاً ، يجلس معه ، يخدمه أياماً بأمور الدنيا ، إلى أن يميل قلب هذا الإنسان إليه ، فينضم إلى جامعه ، ويستقيم ، ويتصل بالله ، هذا أحسن من أن تملك أضخم شركة بالعالم ، فائضها النقدي ألف مليون دولار، لأن هذا المال يترك عند الموت ، أما هذا العمل معك إلى الجنة .
الحديث الأخير :
(( مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ ، لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً )) .
[ رواه مسلم عن أبي هريرة] .
شبهة روجتها ، جهاز عممته ، فيه فسق ، فيه فجور ، فيه سهر للساعة الخامسة صباحاً ، فيه مناظر إباحية ، الابن رآه بالليل خلسة ، بغياب الأب ، الأب اضطر أن يسافر الابن علق فيه ، ترك صلاته ، وترك دينه ، وترك حفظه لكتاب الله ، ولحق الأمور الجنسية من وراء هذا الجهاز ، هذه عمل خطير جداً .
(( ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً )) .
هناك ضلالات فكرية ، كتاب ، أنا أحياناً أعجب كيف أن هناك مكتبة تبيع كتاباً كله ضلالات ، أخي هذا عملنا ، صاحب المكتبة المؤمن لا يبيع إلا كتاب حق ، و إلا فهو آثم، يروج كتاباً فيه ضلالات ، أحياناً دور نشر تطبع كتاباً كله ضلالات ، تريد أن تربح ، يقول لك : أريد أن أعيش ، هذا غلط كبير .
(( ومن دعا إلى ضَلالَة )) .
ولو طفيفة ، إياك أن تكون سبباً في معصية ، أحتاج أستاذاً لابنتي ، على عيني عندي أستاذ جيد جداً ، اخترت له أستاذاً جلس مع ابنته على انفراد ، هذه خلوة ، أستاذ رياضيات جلس مع طالبة بكلوريا بغرفة لوحدهم ، هذه خلوة ، إن صار شيئاً أنت مسؤول ، وأغلب الظن يصير ألف شيء ، ما دام جمعت بين شاب وشابة في خلوة فأنت مسؤول ، والله أنا نصحتهم بأستاذ ممتاز بالرياضيات ، لا يوجد أرقى من هذا ، لكن صار هناك خلوة بالنصف .
إذا كان في معصية ، في شبهة ، أحياناً يدلك على تجارة لكن البضاعة محرمة لها إشكالات كثيرة جداً ، يقول لك : هذا عملنا.
إذاً هذين الحديثين خطيرين جداً :
(( مَنْ دعا إلى هُدى ، ومن دعا إلى ضَلالَة ، مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ )) .
هذا شيء يدفع الأخوان الكرام أن يبحث كل واحد منهم عن إنسان من أقربائه ، من جيرانه ، من زملائه ، أولاده ، من يلوذ به ، أولاد خالته ، أولاد عمته ، يعتني بهم ، يزورهم ، يتفقدهم ، يسمعهم شريطاً ، يلقي عليهم كلمة ، يهديهم هدية أحياناً ، يستجلب قلبهم ، حتى يهتدوا ويستقيموا ، هذه أعظم تجارة على الإطلاق ، أنا أحياناً أقول للإخوان : هذا الأخ الذي اعتنيت به حتى اهتدى إلى الله ، والله خير لك من ألف مليون دولار ، لأن هذا المبلغ الضخم تتركه في الدنيا وتذهب وحدك إلى الآخرة ، أما هذه الهداية تذهب معك إلى الجنة .
والحمد لله رب العالمين
MODE7- عضو
- عدد المساهمات : 112
نقاط : 337
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 18/05/2010
مواضيع مماثلة
» الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة والترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه
» إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب للبخاري ومسلم النهي عن خص الإنسان نفسه قبل القسمة أي لا يأخذ ما ليس له
» إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب للبخاري ومسلم ـ الدرس الثالث: هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الصدق مع الله ومع النفس ومع الغير
» إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب للبخاري ومسلم ـ الدرس الثاني: هدي النبي عليه الصلاة والسلام في العمل الخالص لوجه الله تعالى
» الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر...
» إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب للبخاري ومسلم النهي عن خص الإنسان نفسه قبل القسمة أي لا يأخذ ما ليس له
» إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب للبخاري ومسلم ـ الدرس الثالث: هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الصدق مع الله ومع النفس ومع الغير
» إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب للبخاري ومسلم ـ الدرس الثاني: هدي النبي عليه الصلاة والسلام في العمل الخالص لوجه الله تعالى
» الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى