سورة الفاتحة "1" : الدرس 2 ـ الآيات : [3 ـ 7]
صفحة 1 من اصل 1
سورة الفاتحة "1" : الدرس 2 ـ الآيات : [3 ـ 7]
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة المؤمنون لا زلنا في سورة الفاتحة ، وفي الدرس الماضي وضحت بتوفيق الله عز وجل معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ومعنى بسم الله الرحمن الرحيم ، وشرحنا طرفاً من قوله تعالى الحمد لله رب العالمين ، كلمة الحمد كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( الحمد رأس الشكر ما شكر اللهَ عبدٌ لا يحمده .))
[عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عمرو]
الحمد حالة نفسية مبنية على معرفة بفضل الله عز وجل ، فالكلمة الأولى في الإسلام "الحمد لله" ، "الحمد لله" على إيجادنا ، فأول نعمة هي نعمة الإيجاد ، فلان الفلاني ابن فلان وُلِد في دمشق عام كذا ، من أخرجك إلى هذا الوجود ، قال تعالى :
(سورة الإنسان)
إذا ولدت عام ثمانية وثلاثين فأين كنت عام ستة وثلاثين ؟ إذا وقع تحت يديك كتاب طُبع عام ثلاثين أين كنت حينما طُبع هذا الكتاب ؟ لم تكن شيئاً مذكوراً ، "الحمد لله" على نعمة الإيجاد ، و"الحمد لله" على نعمة الإمداد ، أمدنا بكل ما نحتاج ، و"الحمد لله" على نعمة الإرشاد ، الإيجاد ، والإمداد ، والإرشاد ، قال تعالى :
(سورة الحجرات)
كلمة "الحمد لله" إحدى أكبر شعارات المؤمن ، "الحمد لله" على السراء وعلى الضراء، على الصحة وعلى المرض ، على إقبال الدنيا وعلى إدبارها ، على الغنى وعلى الفقر ، على الزواج ، وقبل الزواج ، وبعد الزواج ، "الحمد لله" تعني أنك تعرف أن لهذا الكون إلهاً عظيماً ، هو على كل شيء قدير ، فإذا حرمك من شيء فهذا حرمان معالجة لا حرمان عجز ، "الحمد لله" تعني أن الذي خلقك يحبك ، يحبك أكثر مما تحب نفسك لذلك يعالجك ولولا المعالجة لما اهتديت .
موضوع "الحمد لله" موضوع واسع جداً ، لكن علماء البلاغة قالوا : الحمد مسلَّم به ، لكن لمن ؟ ربنا قال : لله ، كلمة الحمد تقتضي وجود نِعَم ، والنِّعم ظاهرة لا ينكرها جاحد ، حتى الذي ينكر وجود الله لا ينكر النعم ، يقول لك : الطبيعة ، استثمار المياه في الطبيعة ، استثمار الخيرات ، تحسين النسل ، هذه موضوعات يعالجها الكفرة أيضاً ، فالنعم لا ينكرها أحد ، حتى الذين أنكروا وجود الله عز وجل لا يستطيعون إنكار النعم ، الهواء ، الماء ، الطعام ، الشراب ، النبات ، الأسماك ، الأطيار ، الأزهار ، هذه الشروط الدقيقة جداً التي خلقها الله عز وجل موافقةً لطبيعتنا ، هذه نِعم لا ينكرها أحد ، ولكن المشكلة في الآية أن الحمدَ لله فقط ، أما أهل الدنيا فإنهم يحمدُ بعضهم بعضاً ويشكرُ بعضهم بعضاً .
"الحمد لله" ؛ فصار الحمد أمراً مؤكداً لا يمكن أن تحمد الله إلا إذا عرفته ، وقبل أن تعرفه لا تحمده ، بل تحمد أنداداً له ، تحمد شركاء تظنهم شركاءه ، فالحمد تقتضي المعرفة ، لذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سُمي محمداً لأنه أحمد الخلق قاطبةً ، ما من مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى حمده أكثر منه عليه الصلاة والسلام ، كأن الحمد مقياس للقرب من الله عز وجل ، سيد الحامدين هو سيد الخلق ، فاسم أحمد ، ومحمد ، وحامد ، هذه كلها من الحمد ، والله سبحانه وتعالى خلق لنا النِّعم ، وعلمنا كيف نحمده عليها ، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، كيف أثنى الله على نفسه ؟ بقوله تعالى :
لذلك فإن النبي الكريم قال :
(( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له .))
[مسلم عن صهيب]
(( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتاه الأمر يسره قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر يكرهه قال : الحمد لله على كل حال .))
[البيهقي عن عائشة]
إذا أردت فرقاً أساسياً بين المؤمن وغير المؤمن لا أقول : كلمة الحمد التي يقولها الناس جميعاً ، بل حالة الحمد ، المؤمن يعيش حالةً دائمةً من الحمد لله عز وجل ، فهو شاكر ، جاء من أسرة فقيرة "الحمد لله" ، رزقه الله زوجة ليست صالحة ، كيف يفهم هذا الأمر ؟ يفهم هذا الأمر أن الله سبحانه وتعالى رزقه هذه الزوجة ليصلحها ، ويكسب بها أجراً عند الله كبيراً ، رزقه الله أولاداً ذكوراً "الحمد لله" ، وإن رزقه إناثاً "الحمد لله" ، ذكوراً وإناثاً "الحمد لله" ، جعله الله عقيماً "الحمد لله" ، له وظيفة متعبة "الحمد لله" ، مريحة "الحمد لله" ، دخلها قليل "الحمد لله" ، كبير "الحمد لله" ، ولكن هناك نقطة دقيقة جداً ، إياكم أن تفهموا من هذا الكلام أنه في أي وضع تحمد الله عليه ولا تحاول تحسين هذا الوضع ، لا ، هذا يتنافى مع أخلاق المؤمن ، هو يحاول تحسين وضعه المادي ، يحاول تحسين وضعه العلمي ، يحاول رفع مستواه في كل الميادين ، فإذا بذل كل طاقته ، ووصل إلى هذا المستوى ، وليس في إمكانه أن يتجاوزه فيقول : "الحمد لله" ، هنا "الحمد لله" .
قدم طالبٌ امتحاناً ولم ينجح "الحمد لله" ، إذا كنت باذلاً جهدك كله فقل "الحمد لله" ، لكن إذا ما درست فهذا جزاء التقصير ، ليس له علاقة بالحمد ، هذا جزاء التقصير ، عندما يبذل الإنسان كل جهده ، ولا يُحقق مطلبه عندئذ "الحمد لله" على كل حال .
كأني أقول : إن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ، لا أقول كلمة الحمد ، بل حالة الحمد التي يحياها ، المؤمن لِمَ يحمد الله ؟ لأن الله بيده كل شيء ، لا إله إلا الله ، وهو الغني ، لم تهطل أمطار "الحمد لله" ، وهو القدير على كل شيء ، ليس لله عز وجل أندادٌ يمنعونه من أي تصرفٍ ، صغيراً كان أم كبيراً ، وهو الغني والقدير .
أنت تعمـل في دائرة مثلاً ، المعلومات تصل إلى من هو فوقك غير صحيحة ، يثنى على المقصر ، ويذم المجتهد ، أما العلم الصحيح فهو عند الله ، لأنه سبحانه عليم ، هو الغني ، هو القدير ، هو العليم ، هو السميع ، وهو القريب ، تكلمت أم لم تتكلم يعلم السر وأخفى ، لماذا "الحمد لله" ؟ لأنه لا إله إلا الله أولاً ، لا إله إلا الله الغني ، قال تعالى :
(سورة الحجر)
إله إلا الله القدير ، هو الواحد القهار ، والله يحكم لا معقب لحكمه ، القاضي مثلاً يحكم في قضية ثم ترفع إلى قاض آخر أعلى منه فينقض حكمه ، لكن الله سبحانه يحكم لا معقب لحكمه ، "الحمد لله" لأنه لا إله إلا الله ، و"الحمد لله" لأنه غني ، و"الحمد لله" لأنه قوي ، و"الحمد لله" لأنه سميع ، و"الحمد لله" لأنه بصير ، و"الحمد لله" لأنه عليم ، و"الحمد لله" لأنه رحيم ، فلمَ لا تحمد الله عز وجل ؟
الحقيقة إذا عرفت أسماء الله فلا تحزن أبداً على أي حال كنت ، لأنك لا ترى إلا حكمة بالغةً في تصرفات الله عز وجل ، فالآية في مبدئها تشير إلى أن النعم التي أسبغها الله علينا ظاهرة ، وجلية ، وواضحة ، وناصعة ، وهي كالشمس ، لا يستطيع أحد على ظهر الأرض أن ينكرها ، ولكن المشكلة أن هذه النعم تُعزى لغير الله ، جاء قوله تعالى :
(( إن الجن والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلي العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي )) .
[ الجامع الصغير عن أبي الدرداء بسند ضعيف ]
النعم لا ينكرها أحد ، ولكن المشكلة في أن هذه النعم تُعزى لغير الله :
(سورة يوسف)
قد يرى بعضهم أن فلاناً الفلاني بيده نفعه وضره ، هذا إشراك ، قد يرى أن هذه الزوجة ملجأ له وملاذ ، ولولا أن الله سبحانه وتعالى جعلها سكناً لك ، ولولا أن الله سبحانه وتعالى ألقى في قلبها محبتك ، أو ألقى في قلبها رجاءك لَمَا خدمتك ، فالمؤمن كلما تفتحـت بصيرته يرى أن كل من يقـدم له خدمةً في الحياة إنما هي بفضل الله ، وبإذن الله ، والحمد لله وحده ، فلذلك نعمة الصحة نعمة كبرى ، وليس العجب أن يمرض الإنسان ، بل العجب ألا يمرض ، لأن هناك آلاف الآلاف من الشروط التي تتوافر جميعها كي تقول صباحاً : "الحمد لله رب العالمين" ، الأجهزة لديك تعمل ، جهاز الهضم ، بدءاً من الفم ، إلى اللعاب ، إلى البلعوم ، إلى لسان المزمار ، إلى المريء ، إلى المعدة ، إلى البنكرياس ، إلى الإثني عشر ، خلايا الامتصاص في الأمعاء الدقيقة ، الأمعاء الغليظة ، جهاز التصفية البولية إلى الكليتين ، جهاز القلب إلى الرئتين ، العضلات ، العظام ، الجلد ، هذا كله يعمل بانتظام ، الجهاز الودي النظير ، الجهاز العصبي ، الجهاز الهرموني ، الغدة النخامية ، الغدة الدرقية ، غدة الكظر ، البنكرياس كله يعمل بانتظام ، "الحمد لله" ، هذه معجزة ، أن تستيقظ صباحاً وتحس أنك بصحة تامة "الحمد لله" .
أكلـت طعاماً ، مَن خَلَقـه ؟ من سخره ؟ من جعلـه مناسباً لنا ؟ طعماً ، ولوناً ، ورائحةً ، وقواماً ، ومضموناً ، وغذاءً ، من نَوَّع هذه الأغذية ؟ البروتينات ، والفيتامينات ، والسكريات ، والمواد الدسمة ، من وزعها على هذا الطعام الذي بين أيدينا ؟ إذا أكلت لقمة خبز فمن خلق القمح ؟ الأرض ، والقمر ، والشمس ، والبحار اشتركت في صنع هذا الرغيف ، إن شربت كأس ماء من سخره لك ؟ إن لترَ الماء المحلى في دول النفط يكلف ثلاثة ريالات ، أيْ عشر ليرات سورية تقريباً ، هذا الينبوع ينبوع عين الفيجة الذي سخره الله لنا ، والذي بلغني مؤخراً أن حوضه الجيولوجي يمتد إلى حدود كبيرة جداً ، من سخره لنا ماءً عذباً فراتاً ؟ "الحمد لله" على كأس الماء ، "الحمد لله" على رغيف الخبز ، "الحمد لله" على هذه التفاحة التي تأكلها ، إياك أن تظن أنك دفعت ثمنهـا لا ، دفعت ثمن خدمتها ، لو اجتمع أهل الأرض لا يستطيعون صنع تفاحة واحدة ، من جعل هذه الكميات بكميات معقولة ، لو كان التفاح قليلاً جداً لكان ثمن الكيلو مئتي ليرة ، من يأكله إذاً ؟ من الذي عمل تناسباً بين الإنسان ومتطلباته ؟ لو أن الدجاجة تبيض في السنة بيضة لكان ثمنها ألف ليرة ، أما إذا كانت تبيض كل يوم بيضة فثمنها نصف ليرة هذه معقولة ، إذاً "الحمد لله" ، الحليب ، البيض ، الجبن ، اللحوم ، هذه كلها من نعم الله ، فهذه النعم لا يستطيع أحد أن ينكرها ، لكن المشكلة في أن أهل الأرض معظمهم يعزونها إلى غير الله فجاء قوله تعالى :
كلما تعمقت في الإيمان بالحركة تحمده بالسكون ، فإذا نظرت إلى ابنك قلت : "الحمد لله" ، من جعله بهذه الصورة الحسنة ، إذا نظرت إلى زوجتك ، أو دخلت إلى بيتك ، وأشعلت المدفئة ، وأدرت المروحة ، من سخر هذه القوى ؟ من أودع في الأرض هذه المادة التي تُسمى الطاقة ، وعن طريقها تولدت الكهرباء ؟ "الحمد لله" .
"الحمد لله" كلمة تعني الله المسير ، هناك خالق ورب وإله ، فالخالق الذي خلق ، والرب هو الممد ، والإله هو المسير ، وتقريباً لأذهانكم أقول : هذه السيارة لها معمل صنعها ، وتحتاج إلى إمداد مستمر بالزيت والوقود ، وما إلى ذلك ، وتحتاج إلى من يقودها ، فالذي يسيرها اسمه المسيِّر ، والذي يمدها اسمه الرب ، والذي صنعها اسمه الخالق ، فإذاً "الحمد لله" لأن أمورك جميعها ، صغيرها وكبيرها ، عظيمها وحقيرها ، دقيقها وكبيرها ، بيد الله عز وجل ، إليه يُرجع الأمر كله ، هذا هو التوحيد .
إذا كنت تريـد أن تلخص الإسلام في كلمات ففي كلمة " لا إله إلا الله" ، وكلمة "الحمد لله" هو كل شيء ، ويحمد على كل شيء ، وهو الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن ، يحمد على كل شيء ، و"الحمد لله" الذي لا يُحمد على مكروه سواه .
ما من حادث يقع ، ما من مصيبة تقع ، ما من فقر ينزل بإنسان ، ما من مرض يلحق بجسم إنسان إلا بأمر الله ، قال تعالى :
(سورة الحديد)
وقال :
(سورة آل عمران)
هذا هو التوحيد ، وهذا هو الحمد ، وكأنني بهذه الآية أدرك أن عبارة "الحمد لله" جمعت لا إله إلا الله والحمد لله .
"الحمد لله" جمعت التوحيد والحمد ، وهذا هو الدين كله ، توحيد وحمد ، وبعد النظر إلى المشركين تجد الشركَ وسخطَ الكافر السماتِ العميقةَ بتفكيره وتصرفاته ، أول شيء لديه الشرك ، فلان ، وفلان ، وفلان ، يرجو فلاناً ، يخاف فلاناً ، يتمنى رضاء فلان ، يحسب لفلان حساباً ، يعيش بدوامة الشرك ، قلبه فارغ ، يكاد ينفطر خوفاً من فلان ، يكاد يذوب حباً بفلان ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((لو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً .))
[البخاري والبيهقي عن ابن عباس]
ليس هناك إنسان أحبَّ إنساناً على وجه الأرض كحبِّ سيدنا أبي بكر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك "الحمد لله" ، من سخر هذا الصديق لهذا النبي العظيم ؟ الله عز وجل ، لو خُلِق الصِّديق عام ألف وخمسمئة وخمسين لما التقى معه ، من جعله بعصره ؟ الله عز وجل ، إذاً الحمد لله رب العالمين .
نسأل كل واحد منا : من جمعك بهذه الزوجة ؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي قدَّر وجمع ، من رزقك هؤلاء الأولاد ؟ الله سبحانه وتعالى ، من أعطاك هذا الذكاء فحصلت ، وأصبحت لك خبرات ترتزق منها ؟ الله سبحانه وتعالى ، طبيب ، محامٍ ، مهندس ، مدرس ، خبير ببعض الحاجات ، بيده مصلحة بأعلى مستوى تدر عليه أرباحاً طائلة ، "الحمد لله" ، لو أن نقطة دم كرأس الدبوس تجمدت في أحد شرايين الدماغ لفقدت كل ذاكرتك وخبراتك .
فلان خبير بهذه المصلحة ، عمله نظيف جداً ، حتى تتمكن من إنجاز عمل عنده تحتاج إلى شهرين ، الفضل لمن ؟ لله عز وجل ، إن كنت طبيباً ناجحاً ، أو مدرساً ناجحاً ، أو تاجراً ناجحاً ، أو صاحب معمل ناجحاً ، أو كان عندك مشروع زراعي ناجحٌ ، أو كنت أباً ناجحاً أو كنت موفقاً في زواجك فـ "الحمد لله" رب العالمين ، هذا هو الدين كله توحيد وحمد ، الكافر يحيا في شرك وسخط ، الكافر دائماً ساخط على كل شيء ، متشائم ، دائماً يشك في حكمة الله ، أحياناً يقول لك : فلان ليس أهلاً للنعمة ، يستكثر نعمة الله على بعض عباده ، ويستقلها على آخرين ، كأنه شاك في حكمة الله ، مع أنك لو تعمقت في الأمور وكُشف الغطاء ، وأطلعنا الله على كل شيء لكان هذا هو الصواب و لقلنا : الحمد لله رب العالمين ، قال تعالى :
(سورة يونس)
تحدث في الأرض زلازل ، وفيضانات ، وبراكين ، وأعمال عنف ، وهناك قوي وضعيف ، فيها صحة ، فيها فقر مدقع ، فيها مجاعات ، الحمد لله رب العالمين ، لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع .
لكن المشكلة أن هذه الحياة الدنيا بالنسبة إلى الدار الآخرة لا شيء ، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قد يضحي بها من أجل الهداية ، فإذا أغلق صاحب المحل محله مثلاً والصانع نسي شمعة مشتعلة ، وفي الساعة الثانية ليلاً أبلغوه أن المحل احترق ، المحل فيه بضاعة بثلاثة ملايين ، فإذا أخذ يصلي على أثر هذا الحريق فهذا عند الله حكمة بالغة ، أما عند الناس فماذا يقولون ؟ ليت هذا الصانع لم ينس الشمعة مشتعلة ، هي عند الله حكمة بالغة ، لأن هذا المحل بكل هذه البضاعة التي احترقت إذا أثمر احتراق المحل توبة لصاحبه فهذا خير كبير لا يعلمه إلا عند الموت .
قال تعالى :
(سورة يونس)
أي يُكشف عن كل شيء ساقه الله إليك ، ﴿ وَيُدْعَونَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُون﴾ خجلاً ، وصغاراً ، وشعوراً بالخزي ، والعار ، وكانوا يدعون إلى السجود من قبل وهم سالمون ، فـ"الحمد لله" رب العالمين ، وقع هنا بعض العلماء في حيرة ، أيهما أفضل كلمة "لا إله إلا الله" أم "الحمد لله" ؟
ملخص الملخص قال الإمام الغزالي : " ليس في الإمكان أبدع مما كان " ، بعضهم فهمَ هذا الكلام فهماً مغلوطاً ؛ والصواب في فهم العبارة : ليس في إمكان المخلوق أبدع مما أعطاه الله عز وجل ، الذي أعطاك الله عز وجل هو أنسب شيء إليك ، ولو كُشفت لك الحقائق لما اخترت إلا أن تكون كما كنت .
بعض الناس يتمنى الغنى ، بعض الناس يتمنى الصحة ، لو كُشفت لك الحقائق لن تتمنى إلا أن تكون كما كنت لأن الله عز وجل يعلم ما كان ، ويعلم ما يكون ، ويعلم ما سيكون ، ويعلم ما لم يكن ، لو كان كيف كان يكون ؟ لذلك ليس في الإمكان أبدع مما كان .
هذه الزوجة أنسب امرأة لك ، يقول معترضاً : لأن الحق على أمي ، لا ليس الحق على أمك ، خطبتها بسرعة ، كانت مستعجلة ، رأوها في الليل ، وقعوا في الغش ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، علامة واحدة تصير مهندساً ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، اسمي ورد في القائمة ، آخر اسم ، كنت سأوفد في بعثة ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لو نظرت إلى الأمور بعين التوحيد لرأيت أن الله وحده بيده كل شيء ، قدَّم وأخر ، سمح ومنع ، يسَّر وعسَّر ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً :
(( إن الله إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه .))
[الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس]
قال تعالى :
(سورة الرعد)
وقال :
(سورة فاطر)
"الحمد لله" رب العالمين كلما تعمقت في الإيمان ازددت تمثلاً بهذه الآية ، كم جزئية في حياتك ؟ أعتقد أن في حياة أحدنا خمسين ألف أو مئة ألف جزئية ، نوع بيته ، ذاكرته ضعيفة قليلاً ، "الحمد لله" أنسب شيء معلوماته ، ما عنده إمكانية لدخول فروع علمية ، هكذا خلقني الله ، أنا أحب الحفظ عند مذاكرة الدروس ، الحمد لله رب العالمين ، يعني إمكاناتك الفكرية والجسدية قدرُك ، جعلك طويلاً وقوياً ، أو جعلك ضعيفاً ، جعلك من أسرة غنية ، من أسرة فقيرة ، جعلك في بيئة راقية في بيئة متخلفة ، كله ليس في الإمكان أبدع مما كان ، يعني ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني ، هذا الذي أعطاك الله عز وجل ، لو كُشف لك الغطاء لما اخترت غيره ، وقد يكون هذا الشيء طريقك إلى الجنة ، الفقر هو الهادي ، قال تعالى :
(سورة الرعد)
يهتدي إنسان عن طريق الفقر ، ويهتدي آخر عند موت أحد أقاربه ، وثالث يهتدي بمصيبة مؤلمة ، أو بإكرام كبير ، هذا الذي ساقه الله إليك مبني على علم ، وحكمة ، وخبرة ، ورحمة ، "الحمد لله" ، الله المسير الذي لا إله إلا الله ، لا مسير غيره ، لا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا قابض ، ولا باسط إلا الله عز وجل ، الحمد لله رب العالمين .
الإله نفسه رب العالمين ، الممد ، هذا عطاؤنا ، المياه من عطاء الله عز وجل ، نهر الأمازون ثلاثمئة ألف متر مكعب بالثانية ، نبع الفيجة أحياناً بأيام الخير يفيض ، يلبي حاجة دمشق بكاملها ويفيض عن حاجتها ، نصف كثافته يرفد بها نهر بردى ، ربنا ممد فأمدنا بالماء .
أحياناً يكون هناك شح في الماء ، ترى النباتات صفراء ، قال لي صديق : والله دفعت في الأسبوع الماضي خمسمئة ليرة ، كل أربعة أيام أدفع خمسمئة ليرة ثمن ماء لسقي المزروعات في المزرعة ، الأمر صعب جداً وإلا تموت الأشجار ، فالذي أمدنا بالماء هو الله سبحانه وتعالى ، نهر الفرات يبلغ عرضه أحياناً في أيام الفيضانات أحد عشر كيلو متراً ، بعمق كبير جداً ، الآن إذا مشى الإنسان فيه لا يتجاوز مستوى الماء ركبتيه ، الحمد لله رب العالمين على عطائه ، وعلى منعه ، عطاؤه عطاء ، ومنعه عطاء ، الحمد لله رب العالمين ، المُمِدُّ بكل نعمة ، لكن ربنا عز وجل يمد هذه الأجسام بكل ما تحتاجه من الهواء ، إلى الماء ، إلى الطعام ، إلى الشراب ، إلى كل شيء ، سواء أكان هذا الشيء أساسياً أو ثانوياً ، الأساسي الطعام والشراب ، والثانوي الأزهار هل تؤكل هذه ؟ لا ، هذا الجمال الذي بثه الله في الأرض ، هذه السماء التي زينها بالنجوم ، هذه الأماكن الجميلة التي جعلها منتجعاً لنا كلها من عطاء الله ، الحمد لله رب العالمين .
لكن معنى الربوبية يشمل التربية النفسية أيضاً ، فكل أنواع المصائب مشتقة من قولـه تعالى : الحمد لله رب العالمين ، الأب مثل مصغر ، يمد ابنه بكل ما يحتاج ، حاجاته ، أدواته ، كتبه ، دفاتره ، ألبسته الصيفية والشتوية ، غرفته بما فيها من تدفئة ، طاولة إنارة ، سرير ، وسائد مثلاً ، فرش وثيرة ، أغطية مناسبة صيفية وشتوية ، هذا إمداد ، فإذا ضبطه يكذب فقد يضربه ، والضرب أيضاً تربية ، فالتربية لها معنيان ؛ معنى الإمداد بما تحتاجه من مواد ، والمعنى الثاني التربية النفسية ، فكل إنسان يتلقى من الله عز وجل تربيتين ؛ يتلقى تربية لجسمه ، ويتلقى تربية لنفسه ، فكل ما يحدث لك فهو من الله عز وجل ، بناءً على واقعك ، وعلى نفسيتك ، الحمد لله رب العالمين .
في درس سابق قلت لكم : إن كلمة "رب" تقتضي العلم ، وتقتضي الخبرة ، وتقتضي الغنى ، وتقتضي الإشراف الدائم ، وتقتضي الحكمة ، وتقتضي الرحمة ، لا بد أن يكون رب العالمين قوياً ، وغنياً ، وحكيماً ، وعليماً ، وخبيراً ، ورحيماً ، وقيوماً ، دائم الإشراف ، لا يُسمى المربي ناجحاً إذا غاب عن الذي يربيه ، لا يُسمى المعلم ناجحاً إذا تغيب عن الطلاب ، لا بد أن يكون رب العالمين قوياً ، وغنياً ، وقديراً ، وحكيماً ، ورحيماً ، ودائم الإشراف ، وقيوماً ، الحمد لله رب العالمين .
كلمة "رب" فيها عطاء ، ربنا عز جل ما قال : الحمد للإله ، ما قال : الحمد للخالق ، بل قال : الحمد لله رب العالمين ، أي أن لك رباً ، ذات مرةٍ سمعت في الطريق رجلاً يقول وهو في حالة غضب : مَنْ ليس له أب ليس له رب ؟ تأثرت بهذه الكلمة ، قد ينشأ أحدنا يتيماً ولا أب له ، لكن الله موجود .
وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
***
إذا أعطاك فمـن يمنعــه ثم من يعطي إذا ما منعك
***
كن مع الله تر الله معــك واترك الكل وحاذر طمعك
***
الرحمن في ذاته ، الرحيم في أفعاله ، ذاته رحيمة ، هناك تطابق كامل بين أفعاله وبين ذاته ، أحياناً تكون هناك مسافة بين الإنسان وبين أفعاله وبين نفسيته ، هناك مسافة بين أفعاله وبين نفسيته ، قد يفعل عملاً فيه رحمة ولكن قلبه قاس كالحجر ، الظروف اضطرته لذلك ، ذكاؤه أرشده لذلك ، لكن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم ؛ رحمن في ذاته ، رحيم في أفعاله .
قال سبحانه حكاية سيدنا إبراهيم :
(سورة مريم)
الرحمن يعذب أما الرحيم لا يعذب ، انظر إلى دقة الآية السابقة ، ربنا عز وجل رحمن في ذاته ، تقتضي رحمته أن يسوق لعبده بعض الشدائد ، هذه الشدائد تُسمى شدائد ، أما الرحمة فهي رخاء ، لذلك قال ربنا عز وجل :
(سورة الأنعام)
انظر الإعجاز أي تقتضي رحمته ألا يرد بأسه عن المجرم ، قال تعالى :
(سورة مريم)
الرحيـم صفة أفعاله ، أما الرحمن صفة ذاته ، ماذا بقي ؟ هو الإله ، وهو الرب ، وهو الرحمن الرحيم ، والرحمن الرحيم اسم جامع لأسماء الله الحسنى ، فقوته من رحمته ، ولطفه من رحمته ، وبطشه من رحمته ، وأفعاله نابعة من رحمته ، لذلك هناك أسماء جامعة ، الرحيم من الأسماء الجامعة .
لكن :
لو عقلنا معناها لارتعدت فرائصنا ، أنتم الآن مخيرون ما دام في القلب حياة ، ما دام القلب ينبض فأنت مخير ، كل شيء ممكن الآن ، الإصلاح ممكن ، والتوبة ممكنة ، قال تعالى :
(سورة طه)
لكن :
إذا جاء يوم الدين فلا اختيار لك ، هذه الأمانة التي أودعها الله فيك ، هذا التكليف وهذا الاختيار الذي منحك الله إياه ، هذا الكون الذي وهبه الله لك ، هذا العقل والفكر الذي ميزك الله به كله انتهى ، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ﴾ ، وهو في الدنيا مالك ، وأنت مختار ، لكنه في الآخرة ملك كل شيء ، وملك اختيارك ، إذاً لا تستطيع أن تفعل شيئاً يوم الدين ، يوم الجزاء ، الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به )) .
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن جابر ]
افعل ما شئت ، أعط أولا تعط ، اعدل أو اظلم ، أحسن أو لا تحسن ، اعملوا ما شئتم فإن يوم الدين هو يوم الجزاء ، عاملت زوجتك بالإحسان ، فهو لك ، وإن أسأت فعليك ، أنفقت مالك في سبيل الله فهو لك ، لم تنفق فمغبة البخل عليك .
(سورة البقرة)
وقال :
(سورة الروم )
إذا جاء ملك الموت انتهى كل شيء ، الاختيار انتهى ، والأمانة انتهت ، والشهوات نزعت ، والكون طوي ، والفكر تعطل ، كل شيء انتهى ، يوم الدين يوم الجزاء والله مالكه ، أما الآن فأنت تملك الاختيار ، مخير أن تتوب أو لا تتوب ، أن تسيء أو تحسن ، لكن يوم الدين ينتهي فيه الاختيار ، كأن هذه الآية تحضك على العمل الصالح ، فإياك أن تصل إلى هذا اليوم وليس لك عمل صالح تلقى الله به ، لذلك :
(سورة آل عمران)
يوم الدين يوم جزاء ، نحن الآن في يوم عمل ، في العام الدراسي مثلاً ، الطالب يأتي للمدرسة ، يحب أن يدرس أو لا يدرس ، يجتهد أو لا يجتهد ، يراجع أو لا يراجع ، يذاكر أو لا يذاكر ، يكتب وظائفه أو لا يكتبها أو ينقلها من رفاقه ، يستطيع لأنه مخير ، لكن إذا قُرع جرس الامتحان في آخر العام وطرحت الأسئلة هذا اليوم يوم الجزاء ، وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان ، أما في أثناء العام الدراسي فلا إهانة للكسول ، معه مهلة ، أُعطي فرصة ، ونحن الآن كذلك ، الآن نحن في فرصة ، أنت حر ، تحب أن تأتي إلى هذا المجلس أو لا تأتي ، هناك من يسهر وراء جهاز لهو ، يقول لك : والله هذه المحطة أمتع ، لكن تلك المحطة ناشفة وبرامجها هزيلة ، اليوم دار عمل ، لكن الآخرة دار جزاء ، قالوا : الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف ، في الآخرة انتهى الاختيار وانتهى التكليف ، انتهت كلمة حرام وحلال ، أنت في جنة عرضها السماوات والأرض ، لا غض بصر في الآخرة ، ولا استيقاظ لصلاة الصبح باكراً ، وليس هناك بذل مال ، ولا مشي في الشمس ، ولا حر ، في جنة عرضها السماوات والأرض .
قال ربنا عز وجل :
(سورة يس)
هنيئاً لهم ، هذا الوقت :
(سورة الصافات)
وقال :
(سورة المطففين)
وقال :
(سورة الذاريات)
وقال :
(سورة الحاقة)
نحن الآن في دار عمل ، ويوم الدين دار جزاء وحساب ، أما إذا وصل الإنسان إلى يوم الدين فقد انتهى كل شيء ، انتهى اختياره ، وانتهت الفرص كلها ، أمّا الآن فالفرص كلها مفتحة ، أبواب الرحمة مفتحة ، أبواب التوبة مفتحة ، أبواب الاستقامة مفتحة ، أبواب العمل الصالح مفتحة ، لكن إذا جاء يوم الدين انتهى كل شيء ، انتهت حرية الاختيار ، انتهت الدنيا ، ليس التعامل هناك بالأموال بل بالحسنات والسيئات ، يؤخذ من حسنات المسيء ويعوض بها عما اغتصبه :
(سورة الشعراء)
بعد هذه المقدمة :
حينمـا قال النبي عليـه الصلاة والسلام :
(( جمـع القرآن في الفاتحة ))
[ورد في الأثر]
والله معه الحق ، لأن كل شيء في الفاتحة ، الألوهية ، والحمد ، والربوبية ، واسم الله الأعظم : ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ، والمصير الذي لا مفر منه ، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ، الآن موقفك المنطقي ؛ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ، لو أن الله عز وجل قال : نعبد إياك لاختلف الأمر ، إذا سبق المفعول به الفعل فهذا أسلوب الحصر ؛ أيْ نعبدك ولا نعبد أحداً معك ، لو قال : (نعبد إياك) شيء ، و(إياك نعبد) شيء آخر ، لذلك فإن أعلى مرتبة يبلغها الإنسان في الأرض أن يدرك أن حق العبادة لله وحده ، وأعلى مقام بلغه النبي أنه كان عبداً لله ، عبداً حقيقياً ، فتطابقَ اختياره مع أمر الله تماماً ، نحن أحياناً لا يتطابق اختيارنا مع أمر الله ، نطبق مثلاً تسعين بالمئة ، وهناك مثلاً عشرة بالمئة لم تطبقها في عملك ، فلست إذاً عبداً كاملاً ، أما العبودية الكاملة أن يكون اختيارك موافقاً مئة بالمئة لما أمر به الله عز وجل ، إذاً أنت عبد لله ، وإن لم تكن عبداً لله فلا بد أن تكون عبداً لشهواتك :
(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ )) .
[ البخاري عن أبي هريرة ]
إن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لشهوتك ، وإن لم تكن عبداً لشهوتك فأنت عبد لعبد من عبيد الله ، فأنت عبد لعبد لئيم ، كن للهِ عبداً فعبد الله حر .
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ إن العبادة طاعة تامة ، مبنية على معرفة ، ومنتهية بسعادة ، التعريف الدقيق : طاعة تسبقها معرفة ، وتعقبها سعادة ، وإلا لما كانت لها هذه الأهمية ، قال تعالى :
(سورة الذاريات)
العلة الكبرى لخلق الإنسان على وجه الأرض أن يعبد الله ، أي أن يعرفه فيطيعه ويسعد بقربه ، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ ، لا نعبد إلا إياك ، قال تعالى :
(سورة الأنبياء)
التوحيد والعبودية لله عز وجل قال تعالى :
(سورة الأنبياء)
وقال :
(سورة طه)
والله هذه الآية تكفي ، الكافر عنده أمل طويل .
قال تعالى :
(سورة الكهف)
نهيٌ إلهيٌ عظيم جداً ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ ، قال تعالى :
لكن العبادة لله عز وجل تحتاج إلى عون من الله عز وجل ، فأنت في الركوع تعلن عن خضوعك لله ، وفي السجود تطلب العون منه ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( لكل سورة حظها من الركوع والسجود .))
[البيهقي عن أبي العالية]
تقول :
الأنبياء الصديقين ، الصالحين ، المؤمنين ، أهل العقل ، أهل اللب الطيب ، وذوي النفوس الزكية .
قال تعالى :
هناك أناس عرفوا وعصوا هؤلاء الذين غضب الله عليهم ، وهناك أناس ما عرفوا الله عز وجل فهؤلاء هم الضالون :
يقول لك الله عز وجل وكأنه يخاطبك في الصلاة :
(سورة النور)
في الركوع تقول : "سبحان ربي العظيم" ، أي خضوعاً لك يا رب بهذا الأمر ، أنا خاضع لك ، أنا مطيع لك ، في السجود تقول : "سبحان ربي الأعلى" ، يا ربي أعني على تنفيذ هذا الأمر ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( لكل سورة حظها من الركوع والسجود .))
[البيهقي عن أبي العالية]
كل آية تقرؤها في الصلاة لها ركوع خاص بحسب مضمونها ، ولها سجود خاص بحسب مضمونها ، تبدأ :
لا نعبد إلا إياك ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لكننا ضعاف :
(سورة النساء)
وقال :
(سورة يوسف)
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على عبادتك ، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك .
عندئذ تتوجه إلى الله عز وجل :
هؤلاء الناجحون ، هؤلاء المفلحون ، هؤلاء المؤمنون السعداء في الدارين ، الذين عرفوك ، وأطاعوك ، وتقربوا إليك ، وعقلوا عنك ، وسعدوا بقربك ، ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ من يطع الله ورسوله يحشره الله عز وجل مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
هؤلاء الذين عرفوا الله ، وحادوا عن شريعته ، سمعنا وعصينا ، هذا الذي يقول : نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان ، وثمة أدعية من صنع أحدهم : أمرتنا فما ائتمرنا ، ونهيتنا فارتكبنا ، ولا يسعنا إلا فضلك ، هؤلاء مغضوب عليهم .
عرفت الله وتعصيه ، قال رجل لابن الأدهم : ائذن لي بالمعصية ، قال : أشياء خمس إذا فعلتها لن تضرك المعصية ، قال : وما هي ؟ قال : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه ، قال : وأين أسكن إذاً ؟ قال : فكيف إذاً تسكن أرضه وتعصيه ؟ قال : الثانية ؟ قال : إذا أردت أن تعصيه فاجهد ألا تأكل من رزقه ، قال : وماذا آكل إذاً ؟ قال : كيف إذاً تسكن أرضه ، وتأكل رزقه ، وتعصيه ؟ قال : هات الثالثة ، قال : إذا أردت أن تعصيه فاجتهد ألا يراك ، قال : وكيف لا يراني وهو رب العالمين ؟ قال : تسكن أرضه ، وتأكل رزقه ، وتعصيه ، ويراك ؟! لذلك :
نختم هذا الدرس بقوله عليه الصلاة والسلام :
(( القرآن كله في الفاتحة ))
[ورد في الأثر]
تقرؤها في كل ركعة :
(( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )).
[متفق عليه عن عبادة بن الصامت]
البطولة أن تقرأ الفاتحة ، وأنت متمثل لمعانيها .
عند إياك نعبد ، وإياك نستعين بدأ موقفك العملي ، ما دام الله سبحانه وتعالى رب العالمين ، وهو الرحمن الرحيم ، الذي لا إله إلا هو ، يُحمد على كل شيء ، فماذا تنتظر ؟!!
ألا أنبئكم بمعنى "لا حول ولا قوة إلا بالله" ، أي لا حول عن معصيته إلا به ، ولا قوة على طاعته إلا به ، أي ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ، في سورة سيدنا يوسف مثلاً ، قال تعالى :
(سورة يوسف)
الإنسان عندما يطيع الله عز وجل وهو مفتقر إليه يعينه على طاعته ، فإذا اعتمد على نفسه أوكله الله إليها ، لذلك الإمام أحمد رضي الله عنه قَبْل أن تدركه المنية كان يقول : " كلا ليس بعدُ كلا ليس بعدُ ، فحار تلامذته في ذلك ، فلما تُوفي ـ رحمه الله ـ رآه بعض تلامذته في المنام ، فقال له يا سيدي : كنت تقول : كلا بعد كلا بعدُ ، فقال : يا بني جاءني الشيطان ، فقال : قد نجوت مني يا أحمد ، فقلت : كلا ليس بعد حتى تُنزع الروح من الجسد ، وأنا على الإيمان ، أما الآن ـ بعد الموت ـ فقد نجوت ."
ما دام الإنسان على قيد الحياة ، فمن الممكن أن يصيبه كبر ويقع في المعصية ، أو يصيبه اعتزاز ويقع في الشرك ، فـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ، ودائماً كن في افتقار إلى الله عز وجل .
هل من الممكن أن يعبد نبي صنماً ؟ مستحيل ، ورد هذا في القرآن الكريم حينما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه فقال :
(سورة إبراهيم)
معناها مفتقر ، معناها ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ بعد أن عزمت على طاعة الله عز وجل ، وعزمت على الاستعانة به ، الآن التفصيلات ، يا رب :
الآن تقرأ القرآن وهو الصراط المستقيم ، القرآن خلاصةُ تكاليفه : افعل ولا تفعل :
(سورة النور)
وقال :
(سورة البقرة)
وقال :
(سورة النحل)
تقول أنت :
طبعاً "المغضوب عليهم" عرفوا وحرّفوا ، و"الضالين" ما عرفوا أصلاً ، الضالون كثيرون أما المغضوب عليهم أكثر ، أكثر المسلمين يعرف أن له رباً وفي الآخرة جنة ونار ، ومع ذلك يأكل حراماً ، ويطعم حراماً ، ولا يبالي بأمر الله ، ويعصي الله ، ويقول : نحن ضعاف ، نحن عبيد إحسان لا عبيد امتحان وهكذا ، هؤلاء مغضوب عليهم ، وأما الضالون فهم الذين ما عرفوا الله أصلاً ، وأما الذين أنعم الله عليهم فهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، هؤلاء الذين أنعم الله عليهم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ .
في السورة حمد : ﴿الحمد لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ .
وفيها مصير مخيف : ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ .
وفيها موقف عملي : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .
وفيها تفصيلات : ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ .
حمدت الله ، المسير ، الرحمن ، الرحيم ، وعلمت أن يوم الدين هو يوم الجزاء ، ولا اختيار لك ، ثم رجوت الله ، وأعلنت عن عبوديتك لله ، وعن استعانتك به ، ثم طلبت منه هدايتك للصراط المستقيم ، المنهج الصحيح ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾ ، كلمة آمين : أي استجب يا رب ، ثم تأتي الصلاة .
و الحمد لله رب العالمين
أيها الأخوة المؤمنون لا زلنا في سورة الفاتحة ، وفي الدرس الماضي وضحت بتوفيق الله عز وجل معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ومعنى بسم الله الرحمن الرحيم ، وشرحنا طرفاً من قوله تعالى الحمد لله رب العالمين ، كلمة الحمد كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( الحمد رأس الشكر ما شكر اللهَ عبدٌ لا يحمده .))
[عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عمرو]
الحمد حالة نفسية مبنية على معرفة بفضل الله عز وجل ، فالكلمة الأولى في الإسلام "الحمد لله" ، "الحمد لله" على إيجادنا ، فأول نعمة هي نعمة الإيجاد ، فلان الفلاني ابن فلان وُلِد في دمشق عام كذا ، من أخرجك إلى هذا الوجود ، قال تعالى :
(سورة الإنسان)
إذا ولدت عام ثمانية وثلاثين فأين كنت عام ستة وثلاثين ؟ إذا وقع تحت يديك كتاب طُبع عام ثلاثين أين كنت حينما طُبع هذا الكتاب ؟ لم تكن شيئاً مذكوراً ، "الحمد لله" على نعمة الإيجاد ، و"الحمد لله" على نعمة الإمداد ، أمدنا بكل ما نحتاج ، و"الحمد لله" على نعمة الإرشاد ، الإيجاد ، والإمداد ، والإرشاد ، قال تعالى :
(سورة الحجرات)
كلمة "الحمد لله" إحدى أكبر شعارات المؤمن ، "الحمد لله" على السراء وعلى الضراء، على الصحة وعلى المرض ، على إقبال الدنيا وعلى إدبارها ، على الغنى وعلى الفقر ، على الزواج ، وقبل الزواج ، وبعد الزواج ، "الحمد لله" تعني أنك تعرف أن لهذا الكون إلهاً عظيماً ، هو على كل شيء قدير ، فإذا حرمك من شيء فهذا حرمان معالجة لا حرمان عجز ، "الحمد لله" تعني أن الذي خلقك يحبك ، يحبك أكثر مما تحب نفسك لذلك يعالجك ولولا المعالجة لما اهتديت .
موضوع "الحمد لله" موضوع واسع جداً ، لكن علماء البلاغة قالوا : الحمد مسلَّم به ، لكن لمن ؟ ربنا قال : لله ، كلمة الحمد تقتضي وجود نِعَم ، والنِّعم ظاهرة لا ينكرها جاحد ، حتى الذي ينكر وجود الله لا ينكر النعم ، يقول لك : الطبيعة ، استثمار المياه في الطبيعة ، استثمار الخيرات ، تحسين النسل ، هذه موضوعات يعالجها الكفرة أيضاً ، فالنعم لا ينكرها أحد ، حتى الذين أنكروا وجود الله عز وجل لا يستطيعون إنكار النعم ، الهواء ، الماء ، الطعام ، الشراب ، النبات ، الأسماك ، الأطيار ، الأزهار ، هذه الشروط الدقيقة جداً التي خلقها الله عز وجل موافقةً لطبيعتنا ، هذه نِعم لا ينكرها أحد ، ولكن المشكلة في الآية أن الحمدَ لله فقط ، أما أهل الدنيا فإنهم يحمدُ بعضهم بعضاً ويشكرُ بعضهم بعضاً .
"الحمد لله" ؛ فصار الحمد أمراً مؤكداً لا يمكن أن تحمد الله إلا إذا عرفته ، وقبل أن تعرفه لا تحمده ، بل تحمد أنداداً له ، تحمد شركاء تظنهم شركاءه ، فالحمد تقتضي المعرفة ، لذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سُمي محمداً لأنه أحمد الخلق قاطبةً ، ما من مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى حمده أكثر منه عليه الصلاة والسلام ، كأن الحمد مقياس للقرب من الله عز وجل ، سيد الحامدين هو سيد الخلق ، فاسم أحمد ، ومحمد ، وحامد ، هذه كلها من الحمد ، والله سبحانه وتعالى خلق لنا النِّعم ، وعلمنا كيف نحمده عليها ، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، كيف أثنى الله على نفسه ؟ بقوله تعالى :
لذلك فإن النبي الكريم قال :
(( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له .))
[مسلم عن صهيب]
(( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتاه الأمر يسره قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر يكرهه قال : الحمد لله على كل حال .))
[البيهقي عن عائشة]
إذا أردت فرقاً أساسياً بين المؤمن وغير المؤمن لا أقول : كلمة الحمد التي يقولها الناس جميعاً ، بل حالة الحمد ، المؤمن يعيش حالةً دائمةً من الحمد لله عز وجل ، فهو شاكر ، جاء من أسرة فقيرة "الحمد لله" ، رزقه الله زوجة ليست صالحة ، كيف يفهم هذا الأمر ؟ يفهم هذا الأمر أن الله سبحانه وتعالى رزقه هذه الزوجة ليصلحها ، ويكسب بها أجراً عند الله كبيراً ، رزقه الله أولاداً ذكوراً "الحمد لله" ، وإن رزقه إناثاً "الحمد لله" ، ذكوراً وإناثاً "الحمد لله" ، جعله الله عقيماً "الحمد لله" ، له وظيفة متعبة "الحمد لله" ، مريحة "الحمد لله" ، دخلها قليل "الحمد لله" ، كبير "الحمد لله" ، ولكن هناك نقطة دقيقة جداً ، إياكم أن تفهموا من هذا الكلام أنه في أي وضع تحمد الله عليه ولا تحاول تحسين هذا الوضع ، لا ، هذا يتنافى مع أخلاق المؤمن ، هو يحاول تحسين وضعه المادي ، يحاول تحسين وضعه العلمي ، يحاول رفع مستواه في كل الميادين ، فإذا بذل كل طاقته ، ووصل إلى هذا المستوى ، وليس في إمكانه أن يتجاوزه فيقول : "الحمد لله" ، هنا "الحمد لله" .
قدم طالبٌ امتحاناً ولم ينجح "الحمد لله" ، إذا كنت باذلاً جهدك كله فقل "الحمد لله" ، لكن إذا ما درست فهذا جزاء التقصير ، ليس له علاقة بالحمد ، هذا جزاء التقصير ، عندما يبذل الإنسان كل جهده ، ولا يُحقق مطلبه عندئذ "الحمد لله" على كل حال .
كأني أقول : إن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ، لا أقول كلمة الحمد ، بل حالة الحمد التي يحياها ، المؤمن لِمَ يحمد الله ؟ لأن الله بيده كل شيء ، لا إله إلا الله ، وهو الغني ، لم تهطل أمطار "الحمد لله" ، وهو القدير على كل شيء ، ليس لله عز وجل أندادٌ يمنعونه من أي تصرفٍ ، صغيراً كان أم كبيراً ، وهو الغني والقدير .
أنت تعمـل في دائرة مثلاً ، المعلومات تصل إلى من هو فوقك غير صحيحة ، يثنى على المقصر ، ويذم المجتهد ، أما العلم الصحيح فهو عند الله ، لأنه سبحانه عليم ، هو الغني ، هو القدير ، هو العليم ، هو السميع ، وهو القريب ، تكلمت أم لم تتكلم يعلم السر وأخفى ، لماذا "الحمد لله" ؟ لأنه لا إله إلا الله أولاً ، لا إله إلا الله الغني ، قال تعالى :
(سورة الحجر)
إله إلا الله القدير ، هو الواحد القهار ، والله يحكم لا معقب لحكمه ، القاضي مثلاً يحكم في قضية ثم ترفع إلى قاض آخر أعلى منه فينقض حكمه ، لكن الله سبحانه يحكم لا معقب لحكمه ، "الحمد لله" لأنه لا إله إلا الله ، و"الحمد لله" لأنه غني ، و"الحمد لله" لأنه قوي ، و"الحمد لله" لأنه سميع ، و"الحمد لله" لأنه بصير ، و"الحمد لله" لأنه عليم ، و"الحمد لله" لأنه رحيم ، فلمَ لا تحمد الله عز وجل ؟
الحقيقة إذا عرفت أسماء الله فلا تحزن أبداً على أي حال كنت ، لأنك لا ترى إلا حكمة بالغةً في تصرفات الله عز وجل ، فالآية في مبدئها تشير إلى أن النعم التي أسبغها الله علينا ظاهرة ، وجلية ، وواضحة ، وناصعة ، وهي كالشمس ، لا يستطيع أحد على ظهر الأرض أن ينكرها ، ولكن المشكلة أن هذه النعم تُعزى لغير الله ، جاء قوله تعالى :
(( إن الجن والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلي العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي )) .
[ الجامع الصغير عن أبي الدرداء بسند ضعيف ]
النعم لا ينكرها أحد ، ولكن المشكلة في أن هذه النعم تُعزى لغير الله :
(سورة يوسف)
قد يرى بعضهم أن فلاناً الفلاني بيده نفعه وضره ، هذا إشراك ، قد يرى أن هذه الزوجة ملجأ له وملاذ ، ولولا أن الله سبحانه وتعالى جعلها سكناً لك ، ولولا أن الله سبحانه وتعالى ألقى في قلبها محبتك ، أو ألقى في قلبها رجاءك لَمَا خدمتك ، فالمؤمن كلما تفتحـت بصيرته يرى أن كل من يقـدم له خدمةً في الحياة إنما هي بفضل الله ، وبإذن الله ، والحمد لله وحده ، فلذلك نعمة الصحة نعمة كبرى ، وليس العجب أن يمرض الإنسان ، بل العجب ألا يمرض ، لأن هناك آلاف الآلاف من الشروط التي تتوافر جميعها كي تقول صباحاً : "الحمد لله رب العالمين" ، الأجهزة لديك تعمل ، جهاز الهضم ، بدءاً من الفم ، إلى اللعاب ، إلى البلعوم ، إلى لسان المزمار ، إلى المريء ، إلى المعدة ، إلى البنكرياس ، إلى الإثني عشر ، خلايا الامتصاص في الأمعاء الدقيقة ، الأمعاء الغليظة ، جهاز التصفية البولية إلى الكليتين ، جهاز القلب إلى الرئتين ، العضلات ، العظام ، الجلد ، هذا كله يعمل بانتظام ، الجهاز الودي النظير ، الجهاز العصبي ، الجهاز الهرموني ، الغدة النخامية ، الغدة الدرقية ، غدة الكظر ، البنكرياس كله يعمل بانتظام ، "الحمد لله" ، هذه معجزة ، أن تستيقظ صباحاً وتحس أنك بصحة تامة "الحمد لله" .
أكلـت طعاماً ، مَن خَلَقـه ؟ من سخره ؟ من جعلـه مناسباً لنا ؟ طعماً ، ولوناً ، ورائحةً ، وقواماً ، ومضموناً ، وغذاءً ، من نَوَّع هذه الأغذية ؟ البروتينات ، والفيتامينات ، والسكريات ، والمواد الدسمة ، من وزعها على هذا الطعام الذي بين أيدينا ؟ إذا أكلت لقمة خبز فمن خلق القمح ؟ الأرض ، والقمر ، والشمس ، والبحار اشتركت في صنع هذا الرغيف ، إن شربت كأس ماء من سخره لك ؟ إن لترَ الماء المحلى في دول النفط يكلف ثلاثة ريالات ، أيْ عشر ليرات سورية تقريباً ، هذا الينبوع ينبوع عين الفيجة الذي سخره الله لنا ، والذي بلغني مؤخراً أن حوضه الجيولوجي يمتد إلى حدود كبيرة جداً ، من سخره لنا ماءً عذباً فراتاً ؟ "الحمد لله" على كأس الماء ، "الحمد لله" على رغيف الخبز ، "الحمد لله" على هذه التفاحة التي تأكلها ، إياك أن تظن أنك دفعت ثمنهـا لا ، دفعت ثمن خدمتها ، لو اجتمع أهل الأرض لا يستطيعون صنع تفاحة واحدة ، من جعل هذه الكميات بكميات معقولة ، لو كان التفاح قليلاً جداً لكان ثمن الكيلو مئتي ليرة ، من يأكله إذاً ؟ من الذي عمل تناسباً بين الإنسان ومتطلباته ؟ لو أن الدجاجة تبيض في السنة بيضة لكان ثمنها ألف ليرة ، أما إذا كانت تبيض كل يوم بيضة فثمنها نصف ليرة هذه معقولة ، إذاً "الحمد لله" ، الحليب ، البيض ، الجبن ، اللحوم ، هذه كلها من نعم الله ، فهذه النعم لا يستطيع أحد أن ينكرها ، لكن المشكلة في أن أهل الأرض معظمهم يعزونها إلى غير الله فجاء قوله تعالى :
كلما تعمقت في الإيمان بالحركة تحمده بالسكون ، فإذا نظرت إلى ابنك قلت : "الحمد لله" ، من جعله بهذه الصورة الحسنة ، إذا نظرت إلى زوجتك ، أو دخلت إلى بيتك ، وأشعلت المدفئة ، وأدرت المروحة ، من سخر هذه القوى ؟ من أودع في الأرض هذه المادة التي تُسمى الطاقة ، وعن طريقها تولدت الكهرباء ؟ "الحمد لله" .
"الحمد لله" كلمة تعني الله المسير ، هناك خالق ورب وإله ، فالخالق الذي خلق ، والرب هو الممد ، والإله هو المسير ، وتقريباً لأذهانكم أقول : هذه السيارة لها معمل صنعها ، وتحتاج إلى إمداد مستمر بالزيت والوقود ، وما إلى ذلك ، وتحتاج إلى من يقودها ، فالذي يسيرها اسمه المسيِّر ، والذي يمدها اسمه الرب ، والذي صنعها اسمه الخالق ، فإذاً "الحمد لله" لأن أمورك جميعها ، صغيرها وكبيرها ، عظيمها وحقيرها ، دقيقها وكبيرها ، بيد الله عز وجل ، إليه يُرجع الأمر كله ، هذا هو التوحيد .
إذا كنت تريـد أن تلخص الإسلام في كلمات ففي كلمة " لا إله إلا الله" ، وكلمة "الحمد لله" هو كل شيء ، ويحمد على كل شيء ، وهو الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن ، يحمد على كل شيء ، و"الحمد لله" الذي لا يُحمد على مكروه سواه .
ما من حادث يقع ، ما من مصيبة تقع ، ما من فقر ينزل بإنسان ، ما من مرض يلحق بجسم إنسان إلا بأمر الله ، قال تعالى :
(سورة الحديد)
وقال :
(سورة آل عمران)
هذا هو التوحيد ، وهذا هو الحمد ، وكأنني بهذه الآية أدرك أن عبارة "الحمد لله" جمعت لا إله إلا الله والحمد لله .
"الحمد لله" جمعت التوحيد والحمد ، وهذا هو الدين كله ، توحيد وحمد ، وبعد النظر إلى المشركين تجد الشركَ وسخطَ الكافر السماتِ العميقةَ بتفكيره وتصرفاته ، أول شيء لديه الشرك ، فلان ، وفلان ، وفلان ، يرجو فلاناً ، يخاف فلاناً ، يتمنى رضاء فلان ، يحسب لفلان حساباً ، يعيش بدوامة الشرك ، قلبه فارغ ، يكاد ينفطر خوفاً من فلان ، يكاد يذوب حباً بفلان ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((لو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً .))
[البخاري والبيهقي عن ابن عباس]
ليس هناك إنسان أحبَّ إنساناً على وجه الأرض كحبِّ سيدنا أبي بكر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك "الحمد لله" ، من سخر هذا الصديق لهذا النبي العظيم ؟ الله عز وجل ، لو خُلِق الصِّديق عام ألف وخمسمئة وخمسين لما التقى معه ، من جعله بعصره ؟ الله عز وجل ، إذاً الحمد لله رب العالمين .
نسأل كل واحد منا : من جمعك بهذه الزوجة ؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي قدَّر وجمع ، من رزقك هؤلاء الأولاد ؟ الله سبحانه وتعالى ، من أعطاك هذا الذكاء فحصلت ، وأصبحت لك خبرات ترتزق منها ؟ الله سبحانه وتعالى ، طبيب ، محامٍ ، مهندس ، مدرس ، خبير ببعض الحاجات ، بيده مصلحة بأعلى مستوى تدر عليه أرباحاً طائلة ، "الحمد لله" ، لو أن نقطة دم كرأس الدبوس تجمدت في أحد شرايين الدماغ لفقدت كل ذاكرتك وخبراتك .
فلان خبير بهذه المصلحة ، عمله نظيف جداً ، حتى تتمكن من إنجاز عمل عنده تحتاج إلى شهرين ، الفضل لمن ؟ لله عز وجل ، إن كنت طبيباً ناجحاً ، أو مدرساً ناجحاً ، أو تاجراً ناجحاً ، أو صاحب معمل ناجحاً ، أو كان عندك مشروع زراعي ناجحٌ ، أو كنت أباً ناجحاً أو كنت موفقاً في زواجك فـ "الحمد لله" رب العالمين ، هذا هو الدين كله توحيد وحمد ، الكافر يحيا في شرك وسخط ، الكافر دائماً ساخط على كل شيء ، متشائم ، دائماً يشك في حكمة الله ، أحياناً يقول لك : فلان ليس أهلاً للنعمة ، يستكثر نعمة الله على بعض عباده ، ويستقلها على آخرين ، كأنه شاك في حكمة الله ، مع أنك لو تعمقت في الأمور وكُشف الغطاء ، وأطلعنا الله على كل شيء لكان هذا هو الصواب و لقلنا : الحمد لله رب العالمين ، قال تعالى :
(سورة يونس)
تحدث في الأرض زلازل ، وفيضانات ، وبراكين ، وأعمال عنف ، وهناك قوي وضعيف ، فيها صحة ، فيها فقر مدقع ، فيها مجاعات ، الحمد لله رب العالمين ، لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع .
لكن المشكلة أن هذه الحياة الدنيا بالنسبة إلى الدار الآخرة لا شيء ، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قد يضحي بها من أجل الهداية ، فإذا أغلق صاحب المحل محله مثلاً والصانع نسي شمعة مشتعلة ، وفي الساعة الثانية ليلاً أبلغوه أن المحل احترق ، المحل فيه بضاعة بثلاثة ملايين ، فإذا أخذ يصلي على أثر هذا الحريق فهذا عند الله حكمة بالغة ، أما عند الناس فماذا يقولون ؟ ليت هذا الصانع لم ينس الشمعة مشتعلة ، هي عند الله حكمة بالغة ، لأن هذا المحل بكل هذه البضاعة التي احترقت إذا أثمر احتراق المحل توبة لصاحبه فهذا خير كبير لا يعلمه إلا عند الموت .
قال تعالى :
(سورة يونس)
أي يُكشف عن كل شيء ساقه الله إليك ، ﴿ وَيُدْعَونَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُون﴾ خجلاً ، وصغاراً ، وشعوراً بالخزي ، والعار ، وكانوا يدعون إلى السجود من قبل وهم سالمون ، فـ"الحمد لله" رب العالمين ، وقع هنا بعض العلماء في حيرة ، أيهما أفضل كلمة "لا إله إلا الله" أم "الحمد لله" ؟
ملخص الملخص قال الإمام الغزالي : " ليس في الإمكان أبدع مما كان " ، بعضهم فهمَ هذا الكلام فهماً مغلوطاً ؛ والصواب في فهم العبارة : ليس في إمكان المخلوق أبدع مما أعطاه الله عز وجل ، الذي أعطاك الله عز وجل هو أنسب شيء إليك ، ولو كُشفت لك الحقائق لما اخترت إلا أن تكون كما كنت .
بعض الناس يتمنى الغنى ، بعض الناس يتمنى الصحة ، لو كُشفت لك الحقائق لن تتمنى إلا أن تكون كما كنت لأن الله عز وجل يعلم ما كان ، ويعلم ما يكون ، ويعلم ما سيكون ، ويعلم ما لم يكن ، لو كان كيف كان يكون ؟ لذلك ليس في الإمكان أبدع مما كان .
هذه الزوجة أنسب امرأة لك ، يقول معترضاً : لأن الحق على أمي ، لا ليس الحق على أمك ، خطبتها بسرعة ، كانت مستعجلة ، رأوها في الليل ، وقعوا في الغش ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، علامة واحدة تصير مهندساً ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، اسمي ورد في القائمة ، آخر اسم ، كنت سأوفد في بعثة ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لو نظرت إلى الأمور بعين التوحيد لرأيت أن الله وحده بيده كل شيء ، قدَّم وأخر ، سمح ومنع ، يسَّر وعسَّر ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً :
(( إن الله إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه .))
[الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس]
قال تعالى :
(سورة الرعد)
وقال :
(سورة فاطر)
"الحمد لله" رب العالمين كلما تعمقت في الإيمان ازددت تمثلاً بهذه الآية ، كم جزئية في حياتك ؟ أعتقد أن في حياة أحدنا خمسين ألف أو مئة ألف جزئية ، نوع بيته ، ذاكرته ضعيفة قليلاً ، "الحمد لله" أنسب شيء معلوماته ، ما عنده إمكانية لدخول فروع علمية ، هكذا خلقني الله ، أنا أحب الحفظ عند مذاكرة الدروس ، الحمد لله رب العالمين ، يعني إمكاناتك الفكرية والجسدية قدرُك ، جعلك طويلاً وقوياً ، أو جعلك ضعيفاً ، جعلك من أسرة غنية ، من أسرة فقيرة ، جعلك في بيئة راقية في بيئة متخلفة ، كله ليس في الإمكان أبدع مما كان ، يعني ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني ، هذا الذي أعطاك الله عز وجل ، لو كُشف لك الغطاء لما اخترت غيره ، وقد يكون هذا الشيء طريقك إلى الجنة ، الفقر هو الهادي ، قال تعالى :
(سورة الرعد)
يهتدي إنسان عن طريق الفقر ، ويهتدي آخر عند موت أحد أقاربه ، وثالث يهتدي بمصيبة مؤلمة ، أو بإكرام كبير ، هذا الذي ساقه الله إليك مبني على علم ، وحكمة ، وخبرة ، ورحمة ، "الحمد لله" ، الله المسير الذي لا إله إلا الله ، لا مسير غيره ، لا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا قابض ، ولا باسط إلا الله عز وجل ، الحمد لله رب العالمين .
الإله نفسه رب العالمين ، الممد ، هذا عطاؤنا ، المياه من عطاء الله عز وجل ، نهر الأمازون ثلاثمئة ألف متر مكعب بالثانية ، نبع الفيجة أحياناً بأيام الخير يفيض ، يلبي حاجة دمشق بكاملها ويفيض عن حاجتها ، نصف كثافته يرفد بها نهر بردى ، ربنا ممد فأمدنا بالماء .
أحياناً يكون هناك شح في الماء ، ترى النباتات صفراء ، قال لي صديق : والله دفعت في الأسبوع الماضي خمسمئة ليرة ، كل أربعة أيام أدفع خمسمئة ليرة ثمن ماء لسقي المزروعات في المزرعة ، الأمر صعب جداً وإلا تموت الأشجار ، فالذي أمدنا بالماء هو الله سبحانه وتعالى ، نهر الفرات يبلغ عرضه أحياناً في أيام الفيضانات أحد عشر كيلو متراً ، بعمق كبير جداً ، الآن إذا مشى الإنسان فيه لا يتجاوز مستوى الماء ركبتيه ، الحمد لله رب العالمين على عطائه ، وعلى منعه ، عطاؤه عطاء ، ومنعه عطاء ، الحمد لله رب العالمين ، المُمِدُّ بكل نعمة ، لكن ربنا عز وجل يمد هذه الأجسام بكل ما تحتاجه من الهواء ، إلى الماء ، إلى الطعام ، إلى الشراب ، إلى كل شيء ، سواء أكان هذا الشيء أساسياً أو ثانوياً ، الأساسي الطعام والشراب ، والثانوي الأزهار هل تؤكل هذه ؟ لا ، هذا الجمال الذي بثه الله في الأرض ، هذه السماء التي زينها بالنجوم ، هذه الأماكن الجميلة التي جعلها منتجعاً لنا كلها من عطاء الله ، الحمد لله رب العالمين .
لكن معنى الربوبية يشمل التربية النفسية أيضاً ، فكل أنواع المصائب مشتقة من قولـه تعالى : الحمد لله رب العالمين ، الأب مثل مصغر ، يمد ابنه بكل ما يحتاج ، حاجاته ، أدواته ، كتبه ، دفاتره ، ألبسته الصيفية والشتوية ، غرفته بما فيها من تدفئة ، طاولة إنارة ، سرير ، وسائد مثلاً ، فرش وثيرة ، أغطية مناسبة صيفية وشتوية ، هذا إمداد ، فإذا ضبطه يكذب فقد يضربه ، والضرب أيضاً تربية ، فالتربية لها معنيان ؛ معنى الإمداد بما تحتاجه من مواد ، والمعنى الثاني التربية النفسية ، فكل إنسان يتلقى من الله عز وجل تربيتين ؛ يتلقى تربية لجسمه ، ويتلقى تربية لنفسه ، فكل ما يحدث لك فهو من الله عز وجل ، بناءً على واقعك ، وعلى نفسيتك ، الحمد لله رب العالمين .
في درس سابق قلت لكم : إن كلمة "رب" تقتضي العلم ، وتقتضي الخبرة ، وتقتضي الغنى ، وتقتضي الإشراف الدائم ، وتقتضي الحكمة ، وتقتضي الرحمة ، لا بد أن يكون رب العالمين قوياً ، وغنياً ، وحكيماً ، وعليماً ، وخبيراً ، ورحيماً ، وقيوماً ، دائم الإشراف ، لا يُسمى المربي ناجحاً إذا غاب عن الذي يربيه ، لا يُسمى المعلم ناجحاً إذا تغيب عن الطلاب ، لا بد أن يكون رب العالمين قوياً ، وغنياً ، وقديراً ، وحكيماً ، ورحيماً ، ودائم الإشراف ، وقيوماً ، الحمد لله رب العالمين .
كلمة "رب" فيها عطاء ، ربنا عز جل ما قال : الحمد للإله ، ما قال : الحمد للخالق ، بل قال : الحمد لله رب العالمين ، أي أن لك رباً ، ذات مرةٍ سمعت في الطريق رجلاً يقول وهو في حالة غضب : مَنْ ليس له أب ليس له رب ؟ تأثرت بهذه الكلمة ، قد ينشأ أحدنا يتيماً ولا أب له ، لكن الله موجود .
وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
***
إذا أعطاك فمـن يمنعــه ثم من يعطي إذا ما منعك
***
كن مع الله تر الله معــك واترك الكل وحاذر طمعك
***
الرحمن في ذاته ، الرحيم في أفعاله ، ذاته رحيمة ، هناك تطابق كامل بين أفعاله وبين ذاته ، أحياناً تكون هناك مسافة بين الإنسان وبين أفعاله وبين نفسيته ، هناك مسافة بين أفعاله وبين نفسيته ، قد يفعل عملاً فيه رحمة ولكن قلبه قاس كالحجر ، الظروف اضطرته لذلك ، ذكاؤه أرشده لذلك ، لكن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم ؛ رحمن في ذاته ، رحيم في أفعاله .
قال سبحانه حكاية سيدنا إبراهيم :
(سورة مريم)
الرحمن يعذب أما الرحيم لا يعذب ، انظر إلى دقة الآية السابقة ، ربنا عز وجل رحمن في ذاته ، تقتضي رحمته أن يسوق لعبده بعض الشدائد ، هذه الشدائد تُسمى شدائد ، أما الرحمة فهي رخاء ، لذلك قال ربنا عز وجل :
(سورة الأنعام)
انظر الإعجاز أي تقتضي رحمته ألا يرد بأسه عن المجرم ، قال تعالى :
(سورة مريم)
الرحيـم صفة أفعاله ، أما الرحمن صفة ذاته ، ماذا بقي ؟ هو الإله ، وهو الرب ، وهو الرحمن الرحيم ، والرحمن الرحيم اسم جامع لأسماء الله الحسنى ، فقوته من رحمته ، ولطفه من رحمته ، وبطشه من رحمته ، وأفعاله نابعة من رحمته ، لذلك هناك أسماء جامعة ، الرحيم من الأسماء الجامعة .
لكن :
لو عقلنا معناها لارتعدت فرائصنا ، أنتم الآن مخيرون ما دام في القلب حياة ، ما دام القلب ينبض فأنت مخير ، كل شيء ممكن الآن ، الإصلاح ممكن ، والتوبة ممكنة ، قال تعالى :
(سورة طه)
لكن :
إذا جاء يوم الدين فلا اختيار لك ، هذه الأمانة التي أودعها الله فيك ، هذا التكليف وهذا الاختيار الذي منحك الله إياه ، هذا الكون الذي وهبه الله لك ، هذا العقل والفكر الذي ميزك الله به كله انتهى ، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ﴾ ، وهو في الدنيا مالك ، وأنت مختار ، لكنه في الآخرة ملك كل شيء ، وملك اختيارك ، إذاً لا تستطيع أن تفعل شيئاً يوم الدين ، يوم الجزاء ، الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به )) .
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن جابر ]
افعل ما شئت ، أعط أولا تعط ، اعدل أو اظلم ، أحسن أو لا تحسن ، اعملوا ما شئتم فإن يوم الدين هو يوم الجزاء ، عاملت زوجتك بالإحسان ، فهو لك ، وإن أسأت فعليك ، أنفقت مالك في سبيل الله فهو لك ، لم تنفق فمغبة البخل عليك .
(سورة البقرة)
وقال :
(سورة الروم )
إذا جاء ملك الموت انتهى كل شيء ، الاختيار انتهى ، والأمانة انتهت ، والشهوات نزعت ، والكون طوي ، والفكر تعطل ، كل شيء انتهى ، يوم الدين يوم الجزاء والله مالكه ، أما الآن فأنت تملك الاختيار ، مخير أن تتوب أو لا تتوب ، أن تسيء أو تحسن ، لكن يوم الدين ينتهي فيه الاختيار ، كأن هذه الآية تحضك على العمل الصالح ، فإياك أن تصل إلى هذا اليوم وليس لك عمل صالح تلقى الله به ، لذلك :
(سورة آل عمران)
يوم الدين يوم جزاء ، نحن الآن في يوم عمل ، في العام الدراسي مثلاً ، الطالب يأتي للمدرسة ، يحب أن يدرس أو لا يدرس ، يجتهد أو لا يجتهد ، يراجع أو لا يراجع ، يذاكر أو لا يذاكر ، يكتب وظائفه أو لا يكتبها أو ينقلها من رفاقه ، يستطيع لأنه مخير ، لكن إذا قُرع جرس الامتحان في آخر العام وطرحت الأسئلة هذا اليوم يوم الجزاء ، وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان ، أما في أثناء العام الدراسي فلا إهانة للكسول ، معه مهلة ، أُعطي فرصة ، ونحن الآن كذلك ، الآن نحن في فرصة ، أنت حر ، تحب أن تأتي إلى هذا المجلس أو لا تأتي ، هناك من يسهر وراء جهاز لهو ، يقول لك : والله هذه المحطة أمتع ، لكن تلك المحطة ناشفة وبرامجها هزيلة ، اليوم دار عمل ، لكن الآخرة دار جزاء ، قالوا : الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف ، في الآخرة انتهى الاختيار وانتهى التكليف ، انتهت كلمة حرام وحلال ، أنت في جنة عرضها السماوات والأرض ، لا غض بصر في الآخرة ، ولا استيقاظ لصلاة الصبح باكراً ، وليس هناك بذل مال ، ولا مشي في الشمس ، ولا حر ، في جنة عرضها السماوات والأرض .
قال ربنا عز وجل :
(سورة يس)
هنيئاً لهم ، هذا الوقت :
(سورة الصافات)
وقال :
(سورة المطففين)
وقال :
(سورة الذاريات)
وقال :
(سورة الحاقة)
نحن الآن في دار عمل ، ويوم الدين دار جزاء وحساب ، أما إذا وصل الإنسان إلى يوم الدين فقد انتهى كل شيء ، انتهى اختياره ، وانتهت الفرص كلها ، أمّا الآن فالفرص كلها مفتحة ، أبواب الرحمة مفتحة ، أبواب التوبة مفتحة ، أبواب الاستقامة مفتحة ، أبواب العمل الصالح مفتحة ، لكن إذا جاء يوم الدين انتهى كل شيء ، انتهت حرية الاختيار ، انتهت الدنيا ، ليس التعامل هناك بالأموال بل بالحسنات والسيئات ، يؤخذ من حسنات المسيء ويعوض بها عما اغتصبه :
(سورة الشعراء)
بعد هذه المقدمة :
حينمـا قال النبي عليـه الصلاة والسلام :
(( جمـع القرآن في الفاتحة ))
[ورد في الأثر]
والله معه الحق ، لأن كل شيء في الفاتحة ، الألوهية ، والحمد ، والربوبية ، واسم الله الأعظم : ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ، والمصير الذي لا مفر منه ، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ، الآن موقفك المنطقي ؛ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ، لو أن الله عز وجل قال : نعبد إياك لاختلف الأمر ، إذا سبق المفعول به الفعل فهذا أسلوب الحصر ؛ أيْ نعبدك ولا نعبد أحداً معك ، لو قال : (نعبد إياك) شيء ، و(إياك نعبد) شيء آخر ، لذلك فإن أعلى مرتبة يبلغها الإنسان في الأرض أن يدرك أن حق العبادة لله وحده ، وأعلى مقام بلغه النبي أنه كان عبداً لله ، عبداً حقيقياً ، فتطابقَ اختياره مع أمر الله تماماً ، نحن أحياناً لا يتطابق اختيارنا مع أمر الله ، نطبق مثلاً تسعين بالمئة ، وهناك مثلاً عشرة بالمئة لم تطبقها في عملك ، فلست إذاً عبداً كاملاً ، أما العبودية الكاملة أن يكون اختيارك موافقاً مئة بالمئة لما أمر به الله عز وجل ، إذاً أنت عبد لله ، وإن لم تكن عبداً لله فلا بد أن تكون عبداً لشهواتك :
(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ )) .
[ البخاري عن أبي هريرة ]
إن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لشهوتك ، وإن لم تكن عبداً لشهوتك فأنت عبد لعبد من عبيد الله ، فأنت عبد لعبد لئيم ، كن للهِ عبداً فعبد الله حر .
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ إن العبادة طاعة تامة ، مبنية على معرفة ، ومنتهية بسعادة ، التعريف الدقيق : طاعة تسبقها معرفة ، وتعقبها سعادة ، وإلا لما كانت لها هذه الأهمية ، قال تعالى :
(سورة الذاريات)
العلة الكبرى لخلق الإنسان على وجه الأرض أن يعبد الله ، أي أن يعرفه فيطيعه ويسعد بقربه ، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ ، لا نعبد إلا إياك ، قال تعالى :
(سورة الأنبياء)
التوحيد والعبودية لله عز وجل قال تعالى :
(سورة الأنبياء)
وقال :
(سورة طه)
والله هذه الآية تكفي ، الكافر عنده أمل طويل .
قال تعالى :
(سورة الكهف)
نهيٌ إلهيٌ عظيم جداً ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ ، قال تعالى :
لكن العبادة لله عز وجل تحتاج إلى عون من الله عز وجل ، فأنت في الركوع تعلن عن خضوعك لله ، وفي السجود تطلب العون منه ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( لكل سورة حظها من الركوع والسجود .))
[البيهقي عن أبي العالية]
تقول :
الأنبياء الصديقين ، الصالحين ، المؤمنين ، أهل العقل ، أهل اللب الطيب ، وذوي النفوس الزكية .
قال تعالى :
هناك أناس عرفوا وعصوا هؤلاء الذين غضب الله عليهم ، وهناك أناس ما عرفوا الله عز وجل فهؤلاء هم الضالون :
يقول لك الله عز وجل وكأنه يخاطبك في الصلاة :
(سورة النور)
في الركوع تقول : "سبحان ربي العظيم" ، أي خضوعاً لك يا رب بهذا الأمر ، أنا خاضع لك ، أنا مطيع لك ، في السجود تقول : "سبحان ربي الأعلى" ، يا ربي أعني على تنفيذ هذا الأمر ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( لكل سورة حظها من الركوع والسجود .))
[البيهقي عن أبي العالية]
كل آية تقرؤها في الصلاة لها ركوع خاص بحسب مضمونها ، ولها سجود خاص بحسب مضمونها ، تبدأ :
لا نعبد إلا إياك ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لكننا ضعاف :
(سورة النساء)
وقال :
(سورة يوسف)
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على عبادتك ، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك .
عندئذ تتوجه إلى الله عز وجل :
هؤلاء الناجحون ، هؤلاء المفلحون ، هؤلاء المؤمنون السعداء في الدارين ، الذين عرفوك ، وأطاعوك ، وتقربوا إليك ، وعقلوا عنك ، وسعدوا بقربك ، ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ من يطع الله ورسوله يحشره الله عز وجل مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
هؤلاء الذين عرفوا الله ، وحادوا عن شريعته ، سمعنا وعصينا ، هذا الذي يقول : نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان ، وثمة أدعية من صنع أحدهم : أمرتنا فما ائتمرنا ، ونهيتنا فارتكبنا ، ولا يسعنا إلا فضلك ، هؤلاء مغضوب عليهم .
عرفت الله وتعصيه ، قال رجل لابن الأدهم : ائذن لي بالمعصية ، قال : أشياء خمس إذا فعلتها لن تضرك المعصية ، قال : وما هي ؟ قال : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه ، قال : وأين أسكن إذاً ؟ قال : فكيف إذاً تسكن أرضه وتعصيه ؟ قال : الثانية ؟ قال : إذا أردت أن تعصيه فاجهد ألا تأكل من رزقه ، قال : وماذا آكل إذاً ؟ قال : كيف إذاً تسكن أرضه ، وتأكل رزقه ، وتعصيه ؟ قال : هات الثالثة ، قال : إذا أردت أن تعصيه فاجتهد ألا يراك ، قال : وكيف لا يراني وهو رب العالمين ؟ قال : تسكن أرضه ، وتأكل رزقه ، وتعصيه ، ويراك ؟! لذلك :
نختم هذا الدرس بقوله عليه الصلاة والسلام :
(( القرآن كله في الفاتحة ))
[ورد في الأثر]
تقرؤها في كل ركعة :
(( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )).
[متفق عليه عن عبادة بن الصامت]
البطولة أن تقرأ الفاتحة ، وأنت متمثل لمعانيها .
عند إياك نعبد ، وإياك نستعين بدأ موقفك العملي ، ما دام الله سبحانه وتعالى رب العالمين ، وهو الرحمن الرحيم ، الذي لا إله إلا هو ، يُحمد على كل شيء ، فماذا تنتظر ؟!!
ألا أنبئكم بمعنى "لا حول ولا قوة إلا بالله" ، أي لا حول عن معصيته إلا به ، ولا قوة على طاعته إلا به ، أي ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ، في سورة سيدنا يوسف مثلاً ، قال تعالى :
(سورة يوسف)
الإنسان عندما يطيع الله عز وجل وهو مفتقر إليه يعينه على طاعته ، فإذا اعتمد على نفسه أوكله الله إليها ، لذلك الإمام أحمد رضي الله عنه قَبْل أن تدركه المنية كان يقول : " كلا ليس بعدُ كلا ليس بعدُ ، فحار تلامذته في ذلك ، فلما تُوفي ـ رحمه الله ـ رآه بعض تلامذته في المنام ، فقال له يا سيدي : كنت تقول : كلا بعد كلا بعدُ ، فقال : يا بني جاءني الشيطان ، فقال : قد نجوت مني يا أحمد ، فقلت : كلا ليس بعد حتى تُنزع الروح من الجسد ، وأنا على الإيمان ، أما الآن ـ بعد الموت ـ فقد نجوت ."
ما دام الإنسان على قيد الحياة ، فمن الممكن أن يصيبه كبر ويقع في المعصية ، أو يصيبه اعتزاز ويقع في الشرك ، فـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ، ودائماً كن في افتقار إلى الله عز وجل .
هل من الممكن أن يعبد نبي صنماً ؟ مستحيل ، ورد هذا في القرآن الكريم حينما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه فقال :
(سورة إبراهيم)
معناها مفتقر ، معناها ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ بعد أن عزمت على طاعة الله عز وجل ، وعزمت على الاستعانة به ، الآن التفصيلات ، يا رب :
الآن تقرأ القرآن وهو الصراط المستقيم ، القرآن خلاصةُ تكاليفه : افعل ولا تفعل :
(سورة النور)
وقال :
(سورة البقرة)
وقال :
(سورة النحل)
تقول أنت :
طبعاً "المغضوب عليهم" عرفوا وحرّفوا ، و"الضالين" ما عرفوا أصلاً ، الضالون كثيرون أما المغضوب عليهم أكثر ، أكثر المسلمين يعرف أن له رباً وفي الآخرة جنة ونار ، ومع ذلك يأكل حراماً ، ويطعم حراماً ، ولا يبالي بأمر الله ، ويعصي الله ، ويقول : نحن ضعاف ، نحن عبيد إحسان لا عبيد امتحان وهكذا ، هؤلاء مغضوب عليهم ، وأما الضالون فهم الذين ما عرفوا الله أصلاً ، وأما الذين أنعم الله عليهم فهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، هؤلاء الذين أنعم الله عليهم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ .
في السورة حمد : ﴿الحمد لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ .
وفيها مصير مخيف : ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ .
وفيها موقف عملي : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .
وفيها تفصيلات : ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ .
حمدت الله ، المسير ، الرحمن ، الرحيم ، وعلمت أن يوم الدين هو يوم الجزاء ، ولا اختيار لك ، ثم رجوت الله ، وأعلنت عن عبوديتك لله ، وعن استعانتك به ، ثم طلبت منه هدايتك للصراط المستقيم ، المنهج الصحيح ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾ ، كلمة آمين : أي استجب يا رب ، ثم تأتي الصلاة .
و الحمد لله رب العالمين
abd- عضو
- عدد المساهمات : 95
نقاط : 284
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 18/05/2010
العمر : 34
مواضيع مماثلة
» سورة المائدة (5) الدرس "4" : الآية 3 .
» سورة الفاتحة (1)
» سورة البقرة (2) . المصيبة - الآيات 155-156-157
» سورة البقرة (2) . المصيبة - الآيات 155-156-157
» الموضــوع : تفسير سورة المائدة الآيات : 1ـ 2 .
» سورة الفاتحة (1)
» سورة البقرة (2) . المصيبة - الآيات 155-156-157
» سورة البقرة (2) . المصيبة - الآيات 155-156-157
» الموضــوع : تفسير سورة المائدة الآيات : 1ـ 2 .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى