منتديات نور عيني
.. أهلاً بمن أتانا بتحية وسلام ..

.. يريد منا ترحيباً بأحلى كلام ..

.. يريد أن ننرحب به للإنضمام ..

.. إلى مركب أعضاءنا الكرام ..

مع تحيات
منتدى نور عيني..


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات نور عيني
.. أهلاً بمن أتانا بتحية وسلام ..

.. يريد منا ترحيباً بأحلى كلام ..

.. يريد أن ننرحب به للإنضمام ..

.. إلى مركب أعضاءنا الكرام ..

مع تحيات
منتدى نور عيني..
منتديات نور عيني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

باب حسن الخلق ، " البر حسن الخلق "

اذهب الى الأسفل

 باب حسن الخلق ، " البر حسن الخلق " Empty باب حسن الخلق ، " البر حسن الخلق "

مُساهمة من طرف حنين الشوق الأحد يوليو 04, 2010 4:11 am


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الإخوة المؤمنون، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)) .
(صحيح مسلم)
عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الأَسَدِيِّ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِوَابِصَةَ : جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ وَقَالَ : اسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ ثَلاثًا ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، والإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)) .
(سنن الدارمي)
هذان الحديثان علامَ يدلان ؟ على كلمة واحدة : البر ، الفطرة .
أيها الإنسان فُطِرت فطرة عالية ، بحيث لو فعلت شيئاً سيئاً شعرت بالضيق ، ترددت ، حاك هذا في صدرك ، كرهت أن يطّلع عليه الناس ، من دون علم ومعلومات ، من دون تدريس وتوجيه ، من دون قراءة من دون خطابة ، الله سبحانه وتعالى تفضّل على الإنسان ففطره فطرة عالية ، بحيث إذا أساء عذبته فطرته ، مرة ثانية : عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)) .
(صحيح مسلم)
عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الأَسَدِيِّ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِوَابِصَةَ : جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ وَقَالَ : اسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ ثَلاثًا ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، والإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)) .
(سنن الدارمي)
إذاً نستنبط استنباطًا آخر : أن الفتوى وحدها من دون أن تطمئن وترتاح لها لا تنجيك من عذاب الله ، وأكبر دليل عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، وَإِنَّمَا أَقْضِي لَهُ بِمَا يَقُولُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِقَوْلِهِ : فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا )) .
(مسند الإمام أحمد)
إذاً هل من فتوى أعظم من أن يفتي النبي عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم وهو المشرّع وهو سيد الخلق ؟ لو انتزعت من فم النبي فتوى ولست محقاً ، وحاك في صدرك ، وتردد في صدرك ، وشعرت بالحرج والضيق ، وضاقت نفسك ، ووخزك ضميرك ، وانقبض قلبك ، فالفتوى لا قيمة لها ، لذلك قالوا : الفتوى تحتاج إلى تقوى ، وقالوا : هناك فتوى ، وهناك تقوى ، فالتقوى أن تراقب الله عز وجل ، وأن تجعل من اطمئنان قلبك ونفسك مقياساً صحيحاً لهذا الذي تقبله من الفتاوى أو تفتيه من الفتاوى .
بالمناسبة كلما كنت جباناً في الفتوى كانت هذه صفة عالية فيك ، وكلما كنت جريئاً في الفتوى كانت هذه الجرأة جسراً إلى النار .
قبل أن تفتي للناس ، والحقيقة المشكلة الإفتاء اختصاص ، فالإنسان يدرس الأحكام الشرعية بعمق بالغ ، بتوسع كبير ، بإطلاع واسع ، بدراسة المذاهب كلها ، فإذا سئل ربما أجاب ، أما الناس فقد ألفوا أن أي إنسان له مسحة دينية أصبح مفتيًا ! يقول : سألت إمام الجامع ، هل الإمام مفتٍ ؟ الإمام يقرأ القرآن ، يوجد إمام وخطيب وعالم وداعية وقاض ومجتهد ومفتٍ ، الإفتاء شيء ، والاجتهاد شيء والقضاء شيء والفتوى شيء والدعوة شيء ، الداعية غير العالم والعالم شيء والخطيب شيء والمدرس الديني شيء ، والإمام شيء والقارئ شيء ، كلٌّ اختصاصه ، فسبحان الله أي إنسان له مسحة دينية رقيقة يسأله الناس دائماً ! أكثر سؤالات في الطلاق والإجهاض والمواريث وتوزيع الإرث ، يسأل عنها أناسًا لا يعلمون شيئاً ، لذلك ليس العلم الديني كلأً يرعاه كل الناس ، اختصاص ، قد تكون ديّنًا ، وقد تكون عابدًا ، وقد تكون ورعًا ، وقد تكون مؤمنًا ، وقد تكون ناجيًا ، ولكن أن تفتي فهذا شيء كبير جداً .
قصة تلوتها عليكم عشرات المرات ، أعلم علماء العصر الإمام أحمد بن حنبل جاءه وفد من المغرب العربي ، أعتقد الطريق يحتاج إلى ثلاثة أشهر ، ومعه ثلاثون سؤالاً ، وعرضوا هذه الأسئلة على الإمام أحمد فعرف منها سبعة عشر سؤالاً ، فلما سألوه عن الأسئلة الباقية قال : لا أعلم ، فقالوا : جئناك من أقصى الدنيا ، وأنت الإمام أحمد ، إمام العصر ولا تعلم ، فقال : قولوا لهم : الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم ، وطّن نفسك أن تقول : لا أعلم ، مهما كنت كبيرًا جداً ، وعظيما جداً ، إذا قلت : لا أعلم ، اسأل غيري ، وهذا الذي يسرع بالإجابة لا يعلم حقيقة لا يعلم .
هذا الحديث متواتر تواترًا معنويا ، ورد بصيغ عديدة ، فإذا تواتر الحديث تواتراً معنوياً فالموضوع مهم جداً .
عَنْ وَابِصَةَ الأَسَدِيِّ قَالَ : ((أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلا سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَفْتُونَهُ ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّاهُمْ قَالُوا : إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : دَعُونِي فَأَدْنُوَ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ قَالَ : دَعُوا وَابِصَةَ ادْنُ يَا وَابِصَةُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ : يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي ؟ قُلْتُ : لا بَلْ أَخْبِرْنِي ، فَقَالَ : جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ، فَقَالَ: نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ : يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ )) .
(مسند الإمام أحمد)
أخ كريم وجد محضرًا في بعض أحياء دمشق الحساسة ، استطاع بذكاء بارع أن ينزل بالمزاد بشكل تمثيلي ، فالمحضر مثلاً - هذه قصة من اثنتي عشرة سنة - سعره سبعمائة وخمسين ألفًا ، تمكن من إنهائه بأربعمائة وخمسين ألفًا ! المزايدات قليلة جداً ، ثم جاء يسألني قال : تمكنت أن أشتري هذا المحضر بمبلغ اقل من ثمنه الحقيقي بالثلث تقريباً ! فما الحكم الشرعي ؟ طبعاً بهذا المحضر ، من أصحاب المحضر أيتام ، قلت : لماذا جئت تسألني ؟ قال: لأنني متضايق ، قلت له : هذا هو الجواب ! الإنسان عندما يسأل يكون منزعجًا وقلقًا ، لو فرضنا أنك عطشان ، وبرّاد الماء جاهز ، والكأس جاهزة ، والماء بارد ، وترغب بماء بارد ، وجسمك يحتمل الماء البارد ، شربت كأس ماء بارد ، ممكن أن تسأل عنها مفتيًا أنك فعلت شيئا خطأ ، هل لها مشكلة ؟ ما الحكم الشرعي ؟ هنا لا يهمك لأنها بديهية ، الحلال ليس له مشكلة ، لا أحد يختلف عليه ، لا أحد يسال عنه ، أولادك يطلبون الفاصولياء ، أحضرت الفاصولياء واللحمة ، وطهيتهم ، وأكلتم فاصولياء ورزا ، هل يلزم هذه سؤال مفتٍ؟ بديهي ، فعندما تسأل يعني هذا أنك قلق ، لماذا ؟ لأنه أصبح هناك تردد ، بمجرد أن تسأل أنت قلق ، لذلك قالوا : نفي الشيء أحد فروع تصوره .
إذا باعك أحدهم شيئًا قال لك : أنا لم أرفع الثمن عليك ، معنى هذا أنه رفع الثمن عليك ! هو شعر بوخز ضمير فبادر إلى النفي ، وهذا النفي إثبات ، أحياناً الإنسان الذي ينفيه كأنه يثبته !
لذلك قالوا : نفي الشيء أحد فروع تصوره .
هناك رواية ثانية : قال : سمعت وابصة ، وذكر الحديث مختصراً ، ولفظ الحديث المختصر : ((البر ما انشرح له الصدر ، والإثم ما حاك في صدرك ، وإن أفتاك عنه الناس)).
لذلك لي كلمة شهيرة : كل إنسان سألني سؤال أقول له : الفتوى موجودة ، تريد الفتوى أم التقوى ؟ فإن كنت تبحث عن الفتوى فليس هناك مشكلة ، إنك تجد لكل معصية فتوى ، وعوام الناس يقولون لك : ضعها برقبتي ، من أنت ؟ ومن أنت حتى أدعها في رقبتك ؟
يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند
من أنتم ؟ أنتم فقهاء ؟ هل أنتم مرجع في الدين ؟ مجتهدون علماء ؟
وفي رواية رابعة ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ : إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ ، فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الإِثْمُ ؟ قَالَ : إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ)) .
(مسند الإمام أحمد)
الشيء الذي له إشكال ضيق تردد خوف قلق خجل دعه ، وأدق ما في هذا المعنى قول حَسَّان بْن أَبِي سِنَانٍ : (مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ) .
(صحيح البخاري)
وفي رواية أخرى ، عَنْ الْخُشَنِيِّ يَقُولُ : ((قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَخْبِرْنِي بِمَا يَحِلُّ لِي وَيُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ : فَصَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَوَّبَ فِيَّ النَّظَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ)) .
(مسند الإمام أحمد)
أحياناً الإنسان يستفتي إنسان يتلقى الفتوى لصالحه ، وتجده يبحث عن إنسان آخر يسأله ، وتأتي الفتوى الثانية لصالحه ، يبحث عن إنسان صالح ، هذا البحث والتجول بين المفتين دليل قلق .
عن وائل ابن الأتقع رضي الله عنه قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ((أفتني عن أمر لا أسأل عنه أحداً بعدك ، فقال عليه الصلاة والسلام : استفتِ نفسك ، قلت : كيف لي بذلك ؟ قال : تدع ما يريبك إلى مالا يريبك ، وإن أفتاك المفتون ، قلت : كيف بذلك ؟ قال : تضع يدك على قلبك فإن الفؤاد ليسكن للحلال ، ولا يسكن للحرام)) .
الفؤاد يسكن ويرتاح للحلال ، ولا يسكن ولا يرتاح للحرام .
ورواية سابعة : عن عبد الله بن معاوية بن حديج أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ((يا رسول الله ، ما يحل لي مما يحرم علي ؛ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فردد عليه ثلاثا، كل ذلك يسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال أين السائل ؟ ثم قال: أنا ذا يا رسول الله ، قال ونقر بأصبعه : ما أنكر قلبك فدعه )).
(كنز العمال ، للمتقي الهندي )
وفي حديث مختصر مفيد صحّ عن ابن مسعود ، ولعله رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الإثم حزاز القلوب)) .
إذا أحضر الإنسان شفرة ، وشد عضلاته ، وحركها على جلده يشهر بوخز الجرح ، حز ألم شطب ألم الجرح ، فقال : الإثم حزاز القلوب ، تشعر بأن قلبك جرح ، تشعر بحجاب نشأ بينك وبين الله ، تشعر أن القضية غير صحيحة غير مقبولة غير مريحة .
الهدف من هذا الدرس : أن ينمو أيها الإخوة عندكم حس فطري ، يدلكم على الحلال وعلى الحرام .
وفي رواية أخرى لهذا الحديث المقطوع أو المرفوع : قال عبد الله : ((إياكم وحزاز القلوب)) .
الإثم حزاز القلوب ، بالمناسبة أحياناً يكون ميزان الإنسان دقيقًا جداً ، أحياناً يكون في الميزان خطأ ، مثل القبّان ، ضع عليه ورقة هل تتحرك ؟ مجموعة لا تتحرك ، كتاب لا يتحرك ابدأ بالكيلو ، هناك ميزان يتحرك بكتاب ، وميزان يتحرك بورقة ، تضع الورقة ، وتزنها تكتب كلمة : محمد ترجح كفة ! فكلما كان إيمان المؤمن عاليًا يكون ميزانه حساسًا ، يحاسب نفسه على النظرة ، على الكلمة ، على الالتفاتة ، على الابتسامة ، على حركة رأس ، إذا قال أحدهم له : أفعلها ، فيها ظلم ؟ إذا هزّ برأسه بالموافقة فأصبح شريكه بالإثم ! من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة ، شطر كلمة وليس كلمة بكاملها ، جاء يوم القيامة مكتوب على جبينه : آيس من رحمة الله ! وفي قول : من أعان ظالماً سلّطه الله عليه .
قال عبد الله : (إياكم وحزاز القلوب ، وما حزّ في قلبك فدعه) .
وقال أبو الدرداء : (الخير في طمأنينة ، والشر في ريبة) .
وروى بن مسعود من وجه منقطع أنه قيل له : (أرأيت شيئاً يحيك في صدورنا لا ندري حلال هو أم حرام ؟ فقال : إياكم والحكاكات فإنها الإثم) .
الحكاكات التي تحيك في الصدور ، لست مرتاح ، يقول لك : لم أرتح لهذه القسمة ، كتبت وصية ولم أرتاح ، باع البيت ولم يرتاح ، في البيت عيب ، في ضعف في الأساسات ، فلما اشتراه مشترٍ لم يقل له شيئًا ، قال له : حاضر حلال ، تفضل انظر ، البيت واضح ، لكن هذه علّة خفية .
أنا أعرف رجلا لديه مركبة فيها عطل كبير في المحرك ، فقال لي : في مساء اليوم الذي باعها : الحمد لله بعتها ، وألبستها لرجل آخر ، وقال هذا مفتخراً ، وكأنه عدّ نفسه ذكياً ، واشترى سيارة من طرطوس جاهزة ، وأخذها أفخر نوع ، وبلونٍ كحلي العروس ، أحضرها في اليوم الخامس أصيبت بحادث جعلتها مسطحة ! فجاءني وقد علاه الضجر ، فقلت له : ألم تقل لي قبل خمسة أيام : ألبستها لرجل ؟ الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ، إخفاء العيب غش حرام ، سواء في بيع بيت أو سجادة ، يسترخصها المشتري فيها علة إذاً ، أما إذا ذكرت العلة وخفضت الثمن فلا شيء عليك .
النبي عليه الصلاة والسلام فسّر البر بحسن الخلق ، وفسره بما اطمأنت إليه النفس ، فمرة ثانية تعقيباً على الدرس السابق الإنسان الذكي العاقل يعرف نمط جسمه مبدئياً ، هذه الأكلة لا تناسبني ، هذه الأكلة تسبب لي إعياءً ، هذه الأكلة هضمها صعب ، أحياناً يتحسس حساسية دقيقة جداً ، ليت هذا الإنسان الحريص على جسمه وعلى أجهزته وأعضائه يتحسس الحساسية نفسها بقلبه ، هذا العمل أظلم له قلبه ، هذا العمل حجبه عن الله ، هذا العمل أساء له ، هذا العمل أربكه ، هذا العمل أشعره بالقلق ، فكلما أصبح لدى الإنسان القدرة على الاستبطان الداخلي كما يسمى أو تأمل الذات ، أو التضفر بالذات ، ويتابع أحوال قلبه ، من انطلاق إلى خمود إلى قلق إلى تراجع إلى خجل إلى إقدام إلى فخر إلى حياء ، الإنسان الذي يتتبع أحوال قلبه تتبع دقيق هذه علامة إيمانه ، وهذا ما أكده سيدنا عمر قال : (تعاهد قلبك) ، لماذا أقبلت على الله في الصلاة ؟ لماذا هذه الصلاة صليتها محتجباً عن الله ؟ شعرت بالحجاب ، الحجاب معه مخالفة .
البر هو الإحسان ، وهو معاملة الخلق بالإحسان إليهم ، الإحسان كلمة مطلقة لن تكون مؤمناً إلا إذا أحسنت للآخرين إحساناً مطلقاً في كل الأحوال ، بعضهم قال : أولى الناس بالإحسان الوالدان ، وبعضهم قال : الإحسان إذا أطلق انطلق للإحسان للخلق عموماً .
َ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ : ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ)) .
(صحيح البخاري)
وقد قيل :
أخي البر شيء هين وجه طلق وكلام لين
عن جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةَ ، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ ؟ قَالَ : إِطْعَامُ الطَّعَامِ ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ )) .
(مسند الإمام أحمد)
عندما قال ربنا عز وجل :

(سورة المائدة)
بعضهم قال : البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة ، بعضهم قال : البر الإحسان والعمل الصالح ، والتقوى اجتناب المعاصي ، اتقِّ أن يعصي ، البر الإحسان ، البر إيجابي ، والتقوى سلبية ، هذا معنى آخر .

(سورة المائدة)
الإنسان قد يأثم دون أن يعتدي ، لو فرضنا أنه شرب الخمر ، لم يعتدِ على أحد ، لكنه اعتدى على نفسه ، فشربُ الخمر إثمٌ ، أما أن تغتصب مال أخيك فهذا عدوان ، إذا كانت المعصية طالت الغير فهي عدوان ، أما إذا طالت النفس وحدها فهي إثم .

بعضهم قال : البر أن يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة . قوله تعالى :

(سورة البقرة)
فالبر جماع كل خير ، العقيدة الصحيحة مع العبادات ، مع المعاملات ، مع الأخلاق ، مع الصبر ، هذا كله جاء في الآية براً ، وكل هذا تطمئن إليه النفس .
عندما قال عليه الصلاة والسلام : ((البر حسن الخلق)) ، بعضهم قال : قصد به التخلق بأخلاق الشريعة ، والتأدب بآداب الله التي أدب بها عباده في كتابه ، حيث قال عن رسوله صلى الله عليه وسلم :

(سورة القلم)
وكان عليه الصلاة والسلام كما تقول السيدة عائشة : ((كان خلقه القرآن)) ، فكان القرآن له خلقاً كالجبلة والطبيعة لا يفارقه ، أحياناً يتعرض الإنسان إلى استفزاز ، فتحدثه نفسه بالانتقام ، لكن يقع في صراع ، فينتصر على نفسه بشق الأنفس ، ويضبط أعصابه ، ويكظم غيظه ، ولا يفعل شيئاً ، هذا ليس على خلق عظيم ، وصل لهذا الخلق بشق الأنفس ، وبمشادة مع نفسه كبيرة جداً ، بجهاد كبير ، لكن المؤمن الكامل في الأعماق ، معنى في الأعماق تمكن الأخلاق من نفسه ، الأخلاق العالية متغلغلة في أعماق أعماقِ نفسه ، احتمال أن يتغير ، لكنه نادر جداً .
مثلا ، تخيل ميزانًا وضع في كفته خمسة وعشرون كيلوًا ، لو أمسكت ليرة سورية ووضعتها فيه هل تحرك الليرة الكفة ؟ مستحيل ، إذا الخلُق خمسة وعشرون كيلوًا ، والاستفزاز ليرة سورية لا تؤثر ، لكن إذا كان الخلق كله ليرتين ، ووضعت ليرة ونصفًا مع نسمة هزة بسيطة تجد أن الكفة اهتزت .
فهناك إنسان على الحرف دائماً ، ينتكس ، وينهار ، وينفجر ، وينكث عهده ، وينتقم ، ويغضب بسرعة ، وهناك إنسان عميق كلما ارتقى إيمانه تغلغل الخلق في أعماقه ، وفي كيانه كله حيث لا تبدو عليه نكسات مفاجئة ، لأن النكسات المفاجئة لا تعرف طريقا إليه .
الآن أدق حديث قاله النبي عليه الصلاة والسلام متعلق بالفطرة ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عياض بن حمار : ((... وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ ...)) .
(صحيح مسلم)
معنى حنفاء أي ميالين للحق ، أنت مفطور على ميل الحق ، مسلمين مستسلمين لأمر الله ، لأن أمرَ الله عز وجل وفق الفطرة ، فإذا رأيت أمر الله وكانت الفطرة سليمة أسلمت إليه وملت إليه ، الميل قلبي والاستسلام سلوكي ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ : ((أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا ، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلالٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ...)) .
(صحيح مسلم)
ففي الأصل الإنسان مفطور على أن ترتاح نفسه لمعرفة الله ، ولطاعته ، مفطور بطريقة لا ترتاح نفسه إلا لمعرفة الله وطاعته ، حنفاء مسلمين ، لكن الشياطين اجتالتهم عن دينهم ، فحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً .
والحديث الآخر ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ)) .
(صحيح البخاري)
لمَ لمْ يقل النبي الكريم : أو يسلمانه ؟ لأن الإسلام بالفطرة ، لذلك قال تعالى :

(سورة الروم)
فإقامة وجهك للدين حنيفاً هو عين فطرتك ، وعين جبلتك ، وهو عين طبيعتك ، قال تعالى:



(سورة النحل)
العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، هذا فطرة ، والفحشاء والمنكر والبغي هذا عكس الفطرة ، وقال تعالى في آية أخرى :

(سورة الأعراف)
قال الله عز وجل :

(سورة الرعد)
كلام رب العالمين ، هذا القلب قلق خائف وجل منقبض يائس ، إذا ذكر الله عز وجل اطمأن ، وارتاحت النفس .

عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ : ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)) .
(صحيح مسلم )
وهذه إشارة إلى أن الإثم ما أثر في الصدر حرجاً وضيقاً وقلقاً واضطراباً ، فلم ينشرح له الصدر .
بالمناسبة هناك من يظن أن الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات ، تتمة الحديث لا يعلمها كثير من الناس .
ما معنى هذا الكلام ؟ معنى هذا الكلام أن قليلاً من الناس يعلمون حقيقة هذه المشتبهات ، إذاً اسأل عنها ، إذا وقع الإنسان بتردد يا ترى هذا حلال أم حرام ؟ فقال : هذه إذاً شبهة ، مادام لها وجه حلال ووجه حرام معنى هذا أنها شبهة ، هذه الشبهة من يعلمها ؟ يعلمها العلماء لكن عامة الناس لا يعلمونها ، مثلاً رجل قال لك : أنا سأدينك مال لتشتري البيت ، لكن هذا المبلغ يعادل ربع ثمن البيت ، تعطيني أجرة مادام هذا المبلغ معك ، فإن وفيّتني إياه تنتهي الأجرة ، فظاهر الكلام أجرة ، دين وأجرة ، لكن مادام المبلغ لا يزيد ولا ينقص ، ويضمنه صاحب البيت الذي اشتراه يضمنه ، لو احترق البيت يكون المبلغ دينًا ، وأما الذي أخذه كل شهر فهذا ربا ، أما لو اتفق الطرفان على أن هذا البيت ربعه لفلان فهلك البيت ، كإصدار قرار مصادرة ، أو قرار استملاك ، أو تهدم ، أو احترق ، هذا على من ؟ الذي أعطاك المبلغ من أجل أن يعينك على شرائه ، يقول لك : أنا لا دخل لي ، أنا أقرضتك أربعمئة ألف ، أريدها كاملة ، فكل شيء قبضته أجرة فهي ربا ، أما إذا كنت مسؤولا عن البيت لو هدم أو لو احترق أو لو أستملك فأنت مسؤول ، وتقيِّم البيت تقييمًا جديدًا حينما وفيت الدين ، فالأجرة حلال .
اشترى فلان قطعة فأعطيت الصانع مبلغًا ، حرام وحلال ، إذا اقتطعت هذا المبلغ من ربحك الخاص فهو حلال ، ليس فيه إشكال ، أما إذا أضفته على المشتري دون أن يعلم ، وأكرمت الصانع أصبح هذا حرامًا ، فحتى الشبهات يعلمها الخاصة من الناس ، المتبحرون في الفقه يعلمونها ، إذا وقع الإنسان في شبهة ليسأل عنها .
الحقيقة المؤمن كما قال الله عز وجل :


(سورة الأحزاب)
أنت في الأساس مخير ، لكن بعد أن عرفت الله عز وجل ، وعرفت أمره ونهيه ، كأن اختيارك قد انتهى ، أصبح اختيارك وفق الشرع ، إذا أنت مؤمن ، الطبيب مثلاً بعد أن عرف الجراثيم والأوبئة والعدوى ودقائق الأمور ، لم يعد مخيرًا ، كل شيء يعقمه ، كأنه سلك طريقًا إجباريًا ، علمه بالعدوى والجراثيم والأوبئة والمضاعفات ، علمه العالي جعله يسلك طريقاً إجبارياً ، كأن اختياره ألغي .
هناك حالات خاصة بالصناعة لو أخطأت فيها لما نجح العمل ، فالقواعد الخاصة تجعل كل من يعمل في هذه المصلحة يتحرك وفق هذا المنهج ، وهذا البرنامج ، هذا البرنامج أصبح إجباري ، لأن كل أصحاب الصنعة يبتغون الكمال لصنعتهم ، مادام يبتغي الكمال .
سألت مرة جراح قلب قال لي : كل مراكز الجراحة في العالم متشابهة ، لأن القلب قوانينه واحدة ، مادامت القوانين واحدة إذاً فالإجراءات متشابهة ، معنى هذا كل مراكز جراحة القلب بالعالم تسلك ممرًا إجباريًا ، فأنت مخير ، لكن بعد أن عرفت الحق ، وعرفت طريق الجنة ، وعرفت ما يرضي الله ، وما يغضب الله ، بعد أن عرفت منهج الله ، عرفت ما يقرب وما يبعد ، فأنت بشكل أو بآخر ملزم ، لا بد من أن تسلك هذا السبيل لتصل إلى الله عز وجل ، هذا معنى قوله تعالى :


هل تستطيع ألاّ تصلي ؟ هل تستطيع ألاّ تغض بصرك ؟ هل تستطيع الكذب ؟ هل تأكل مال حرام ؟ لا تستطيع ، انظر كيف أنك تسير في الطريق الإجباري ، لأنك مؤمن ، لأنك آمنت بالله وعرفت منهجه ، وحرصاً على مصلحتك وعلى سلامتك وسعادتك في الدنيا والآخرة ، سلكت هذا الطريق الإجباري .
أيها الإخوة : الموضوع الذي أركز عليه في هذا الدرس أن تمتلك هذه الحساسية القلبية للحق والباطل ، للحلال والحرام ، للمعروف والمنكر ، أن يشعر قلبك أن هذا منكر ، أن تشعر نفسك أن هذا حرام ، أن تشعر أحاسيسك وفطرتك أن هذا لا يرضي الله ، وأعظم شيء تنتقل الأمور من الإدراك إلى الشعور ، أحياناً الأقوياء في اللغة العربية يتكلم بطلاقة من دون أن يعرب ، لكن يأتي لسانه وفق قواعد الإعراب ، سمّاها العلماء : سليقة ، لكن الإنسان في بدايته يتكلم ويعرب ، كلما وصل إلى كلمة يا ترى منصوبة أم مرفوعة ؟ مفعول به ، إذاً ينصبها ، خبر كان ينصبها ، اسم كان يرفعها ، قبلها حرف جر يجرها ، دائماً يعرب مع كلامه ، هذا ما ارتقى إلى مستوى السليقة ، لكن عندما ينطلق لسان الإنسان وفق قواعد اللغة من دون وعي منه فهذا دليل كبير على قوته في اللغة ، عادة عندما يرتقي الإنسان ويتحرك حركة عفوية وفق الشرع معنى هذا أن نفسه ارتقت ارتقاءً كبيرًا جداً ، إلا في حالة واحدة إذا الإنسان انطمست بصيرته بالشهوات هذا لم يعد قلبه مفتيًا له ، هذا إذا قلت له : استفتِ قلبك ، يقول لك : جاء الحل ، هكذا يحدثني قلبي ! هذا أصبح دجالا ، إذا انطمس قلب الإنسان بالشهوات هذه الأحاديث كلها تنطبق عليه ، لأن النبي قال : ((وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا)) .
فالفطرة تصلح للمؤمن ، أما غير المؤمن فلا يحكَّم إلا بالشرع ، أما فطرته فقد تقوده للمعصية .
لذلك أيها الإخوة : قبل أن تفعل قبل أن تقدم على شيء ، إذا كان لديك صفاء اسأل نفسك ، انقباض حرج حز قلبك ، حزاز القلب ، شعرت بضيق ، لست مرتاحًا ، شعرت بحجاب بينك وبين الله دعه ، وانتهى الأمر ، شعرت بقلق دفعك للسؤال ، لمجرد أنك تنطلق سائلاً فأنت في شك من أمرك ، حاك في صدرك ، فهذا مقياس أضعه بين أيديكم للحلال والحرام ، أنا والله يخبرني إخوان كثيرون بأنه غير مرتاح ، وزعت هذه القسمة ، ولست مرتاحًا ، هذا عذاب الفطرة ، وعذاب الفطرة صعب جداً ومستمر ، لا يتوقف ، فدائماً أرح نفسك .
ذات مرة سألوا مئة زوج سؤالا علميًا : لماذا لا تخون زوجتك ؟ فجاءت ثلاثة أجوبة ، طبعاً جاءت أجوبة كثيرة صنفوها في ثلاثة مستويات أخلاقية : أول قسم لا يستطيعون ، لأن زوجاتهم معهم في العمل ، القسم الثاني لا يتحملون عبء الذنب ، القسم الأرقى لا يحبون الخيانة .
عندما يصل الإنسان إلى درجة لا يستطيع أن يعمل إثما لأنه ضُغِط عليه فهذه درجة جيدة ، وإذا كان في الأساس تعاف نفسه المعصية هذه أرقى .
والحمد لله رب العالمين

حنين الشوق
نور عيني

عدد المساهمات : 11
نقاط : 33
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 30/06/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى