تعاطي نصف مليون سيجارة كانت سبب استئصال حنجرته بعملية جراحية

سبعيني حُرِم طيلة الـ20 عام من أكل الطعام إلا بعد طحنه شُرب قطرة ماء زائدة عن الحاجة قد تتسبب في موت أبو عدنان
أبو عدنان: لو تسبب حريق في بيتي فلن أستطيع أن أصرخ لينقذني الآخرون
أبو عدنان: جهود الجمعية في الشرقية تحفزني لأن أكون متطوعاً في تحقيق رسالتها..
وأمنيتي أن لا يبقى على أرض المملكة أي مدخن ومدخنة
أبو عدنان: نادم لانقضاء أكثر من 40 ألف ساعة من عمري في التدخين
تختلف معاناة الإنسان عند مرضه فمن الآلام ما يتجرع مرارتها الفرد ذاته، ومنها المـتعدي التي يتحمَّلها أفراد الأسرة بأكملها، وكل الآلام البسيطة والمتعدية هي تـشترك في كونها أوجاع حسية ومعنوية في الجانب النفسي والصحي والاجتماعي والمادي للإنسان المريض، ولا يختلف اثنان على أنَّ الأمراض هي ناتجة بفعل سلوكيات خاطئة حَرمَت الكثير في الانضمام لأوساط الأصحاء والمتعافين. معاناة ضيفنا العم (أبو عدنان) الذي قدَّر الله له أن يلتحق بقوافل مرضى سرطان الحنجرة بعد ما تسبب تعاطيه للتبغ طيلة 34 عاماً في حرمانه من أبسط ما يتمتع به الأصحاء. والعم أبو عدنان صاحب السبعة عقود من العمر رغم شعوره بالألم فهو متحفز وشغوفٌ بالتطوع مع الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين بالمنطقة الشرقية،لأداء مهمة تثقيف أفراد المجتمع وحمايتهم من خداع شركات التبغ في الترويج لآفة العصر،والتي نجحت - وللأسف - في قتل أكثر من 23 ألف نفس سنوياً من المواطنين و المقيمين بالمملكة العربية السعودية. ورغم شعورنا بالألم إلا أننا نرغب بإطلالة نعيش فيها قصة الضحية والأسباب التي أدت إلى استئصال حنجرته وما هي مشاعره بعد استماعه لصاعقة خبر مرضه بسرطان الحنجرة،أمور أخرى نتعرف عليها من خلال هذا اللقاء.
- الجمعية: العم أبو عدنان السلام عليكم وعيدك مبارك وحياك الله في هذا اللقاء
أبو عدنان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،هلا فيكم إخواني الصغار والكبار،وكل عام وأنتم بخير
بطاقة الضحية
- العم أبو عدنان نود التعرف في بداية اللقاء على بطاقتك الشخصية ؟
أنا ضحية من ضحايا عديدة لتعاطي التبغ،واسمي يوسف المرحُوم واكبر أبنائي الستة عدنان،سعودي من الإحساء ومقر سكني في مدينة الدمام،وأبلغ من العمر69 عاماً ، وأعمل حالياً في الحِرف اليدوية الشعبية.
بداية المعاناة
- هل تذكر متى كانت اللحظة الأولى حين أَمسكت أصابعك لأعقاب سجائر الدخان؟
أخوي أنا تعلمت التدخين وعمري 15 سنة ووقتها لم نكن نعرف وجود جمعيات مكافحة التدخين ولا نعي أضرار التبغ،و لكن باسم الرجولة والمراهقة والتقليد بدأنا مشوار التدخين والذي أوصلني إلى ما تراه الآن.
أحداث مأساوية
- كيف كانت بداية مأساتك مع مرض سرطان الحنجرة؟
في يوم من الأيام شعرت بحرارة في الحلق، وأنا كنت أُحدث نفسي بأن الحرارة ستزول بعد أخذ الأدوية والمضادات الحيوية.لكن حين ازديادها يوم عن يوم، أَرغمت نفسي للذهاب لأحد الأطباء بمدينة الخبر، وبالفعل بدئ الطبيب بالكشف علي وقام بصرف الأدوية،و لكني شعرت بعدم الراحة. فتوجهت مجدداً لطبيب آخر في مستشفى حكومي، وأنا في تلك اللحظة لم أعد أحتمل الحرارة المنبعثة من جهة الحلق. فبدئ الطبيب بأخذ الفحوصات والأشعة والتحاليل وجاءني الطبيب بعد أن أمر كل من في الغرفة بالخروج منها فوراً،فشعرت يا أخي بأن في الأمر سِر وأن الأمر خطير للغاية.
صاعقة الخبر
- نود إن أذنت لنا أن تحدثنا عن مشاعر نفسيتك حين تلقيت خبر مرضك بسرطان الحنجرة؟
حين قال لي الطبيب بنبرة ارتباك وتردد: اسمع يا بو عدنان ترى الصبر عند المصيبة الأولى وعليك بالرضى بقضاء الله و قدره.فقال الطبيب ودموعه تتساقط:أنت مصاب بسرطان الحنجرة ويتوجب عليك إجراء العملية اليوم أو غداً بالكثير.. وبالفعل قمت بعملية استئصال الحنجرة،وبلغة الندم أقولها كل شخص لو يعرف أنه سيصاب بالمرض لأقام الدنيا وأقعدها ليتجنب المأساة المُرَّة،نعم أنا نادم لكن ندمي ليس على فقد حنجرتي بل لكوني المتسبب الأول في إصابتي بمرض السرطان حينما أذنت لنفسي بإشعال سجائر الدخان.
أوجاع الـ 20 عام
- كم كان عمرك يوم أُصبت بمرض سرطان الحنجرة؟
أصبت بالمرض وأجريت العملية وعمري 49 سنة، وصدقني في ذلك اليوم لم أكن أعرف إلا أنني مصاب بالسرطان بسبب التدخين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رسالة للمدخنين
-هناك من الإخوة المدخنين من يرى بأن الموت حق وسيناله المدخن وغيره،وأن التدخين لا علاقة له بموت الإنسان مبكراً، فما تعليقكم لمثل هؤلاء؟
أقول ترى مثل هؤلاء قلة قليلة وهم ما يقولون ذلك إلا مكابرة في الإقلاع عن التبغ،و ترى المدخن أحسن مني ومنك في سرد أضرار التبغ لأنه أكثر من يشعر بها.بل هل تصدقون أنه كان لي صديق اسمه محمد توفى قبل أربع أعوام وهو مصاب بالسرطان وسبحان الله كنت أتوقع أن يعيش وأنا من أموت، أسأل الله أن يرحم صديقي وأشكر الله أن أحياني ليسمع صوتي كل سكان مناطق المملكة.وأنصح كل مدخن في الحفاظ على ما بقي من صحته، وأحثه وأشجعه للتوجه فوراً لعيادة الإقلاع عن التدخين بالجمعية.
أضرار أخرى
- أبو عدنان يعطيك العافية،وهنا بعد 20 عام من الأوجاع والمنغصات غير فقدانك للحنجرة وخطر شربك للماء وتقديم الطعام لك بعد طحنه بالخلاط.هل من أضرار حسية ومعنوية مازلت تكابد مرارتها حتى بعد انقطاعك عن تعاطي الدخان؟
بكل وضوح أن تفقد جزء من لحم جسدك هذا أمر في غاية الضرر.لكن من ناحية الوقت والعمر فأنا غير مصدق أني كنت أمضي في اليوم أكثر من ثلاث ساعات في التدخين، وهذا يعني أني أضعت 40953 ساعة طيلة الـ 34 عام من التدخين.
ومن ناحية الخسائر المالية حيث كنت أتعاطى علبتين سجائر في اليوم فإن معدل ما صرفته في شراء علب السجائر قد تجاوز أكثر من 124 ألف ومائة ريال وهو ما يكفي لبناء بيت في ذلك وقت.
ومن ناحية الضرر الصحي فأنا قد دخنت أكثر من 496,400 سيجارة تقريباً كانت كفيلة بإصابتي بسرطان الحنجرة.و من الناحية الاجتماعية فالأضرار لا تعد ولا تحصى فكم من صديق تخلَّى عني لكوني مدخن،وكم من ضرر ألحقتَه بزوجتي العزيزة وأبنائي وبناتي وأفراد أسرتي.
أمــانــي
-هل من أمنية تراود العم أبو عدنان ويسعى لتحقيقها في الوقت الراهن؟
شف يا وليدي الدنيا قصيرة والأماني كثيرة لكني أتمنى أن يعي الشباب والكبار ما أقول.فيا جماعة والله أنا لا أستطيع الأكل إلا بعد طحن الطعام طحناً جيداً بالخلاط،و هل تعلم أن قطرة ماء فوق حاجتي هي الكفيلة بموتي وإسكاني بالقبر،حتى الماء البارد في عز الصيف لم أذقه منذ 20 سنة،فأتمنى أن آكل و أشرب مثل الأصحاء.تصدقون أني لو احترق بيتي فمن سيسمع صوتي لنجدتي قبل التهام النار لجسدي.وكم من حسرة تقطع قلبي فأنا لا أستطيع الاستحمام إلا بعد إغلاق فتحة الحنجرة بقطعة قماش خشية من تسرب الماء والصابون إلى داخل أحشاء جسدي، كما أنني لا أستطيع أن أركض أو أهرب وعندما أمشي أمتارا قليلة أشعر بالإرهاق فكيف أهرب إن شب حريق مثلا في المكان الذي أجلس به لا سمح الله؟
أتمنى أن لا يبقى في المملكة من الستة ملايين(6 ملايين) مدخن ومدخنة أي مدخن لسجائر الدخان ولا مدخن للشيشة ولا متعاطي للشمَّة ولا لأي من منتجات التبغ القاتلة ، وأن نعيش في بيئة صحية نقية كما خلقها الله لنا.
حسرة وفرح
- أبو عدنان الإنسان مهما بلغ في قمة الحزن، إلا أن هناك إشراقات وأمور إيجابيه تعيد لك البسمة والفرح رغم فاجعة ما أصابك. فهل تُسمع قراء الجريدة بعض ما يفرحك؟
عزيزي كل هذا يحزنني ويشعرني بالألم خصوصاً يوم يرى أبنائي وأحفادي عجزي عن التحدث مع الناس بصورة واضحة،ومع هذا أقول فالطبيب قد تعجب أني أتحدث رغم القيام باستئصال الحنجرة ،فبحمد الله وحده صوتي مسموع دون الحاجة لتركيب جهاز إيضاح الصوت وإلا فالأصل أن لا يُسمع صوتي بدون تركيب الجهاز.و كم يفرحني أن أشارك الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين في العمل التطوعي فأقابل الناس في معارض الجمعية المتنقلة بابتسامة وتفاءل ونصح وشفقة. ويفرحني أن أكون سبب في مساعدة الشباب للإقلاع عن تعاطي التبغ.
إصرار وتحفيز
- ما هو الدافع الذي يوقظ همتك ويحفزك للعمل في توعية المجتمع من مخاطر تعاطي التبغ؟
الألم ثم الألم ثم الألم على الشباب والشيب.. يعني خسرنا كثير من الاقتصاد ومن البشر يكفي والله يكفي..(هنا أدمعت عين أبو عدنان حباً للخير..) وأكمل اللقاء قائلاً:أخوي أنا قبل ما تجري معي اللقاء اطلعت على منجزات الجمعية وقمت بجولة تعرفت فيها على آلية العلاج بجهاز الملامس الفضي،وعن جولات الجمعية التوعوية ومناشط تُشكر الجمعية لتحقيقها ..وبعد كل هذا لا تريدني أن أتحفز وأنشط وأقدم أقل الواجب.
تفاؤل المستقبل
-في نهاية اللقاء ابوعدنان نسأل الله أن يمتعك بالصحة والعافية وأن تسهم تجربتك في زيادة الوعي للأصحاء وللمدخنين .. وأن يحالف انضمامك لفريق الجمعية التوعوي التوفيق والنجاح ..وختاماً نود منك أن تختم اللقاء برسالة للمجتمع برمته. والأمر الآخر ما الذي ستقوم به في المستقبل القريب في مجال مكافحة تعاطي التبغ؟
أول شيء باسمي أشكر حكومة المملكة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لدعمهم في إنشاء الجمعيات المختصة في مكافحة التدخين،كما أقدم شكري لأمير المنطقة الشرقية ونائبه على دعمهم للجمعيات الخيرية ولإدارة وأطباء الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين بالدمام لمساعدتهم لي وإشراكي معهم في القيام بالواجب الديني المتمثل في توجيه النصح لكل أفراد الأسرة من أضرار تعاطي التبغ. كما أوجه رسالتي لتجار الموت من مستوردين وباعة لهذا الخبيث بأن يتقوا الله في المجتمع وفي شبابه وفتياته فكسبهم منه حرام وسحت وحسابهم عند الله عسير ما لم يتوبوا عن ترويجه وبيعه، كما أدعو رجال الأعمال بالشرقية للإنفاق على برامج الجمعية والتي أبلغني مشرفها أن ما تم تنفيذه ما هو إلا 20% من البرامج المخطط لها لعجز الميزانية وللمعلومية أن أثر هذه التوعية سيعود بلا شك إلى الحفاظ على المراهقين من الشباب والفتيات في كل بيت والذي منهم أسر هؤلاء رجال الأعمال. ومستقبلا هو مشاركتي في معارض الجمعية القادمة، وأنا متفاءل بأن من سيرى حالتي لن يقدم أبدا على تعاطي التبغ مهما بلغت به الإغراءات وهدفنا جميعا هم أطفالنا الذين هم رجال ونساء المستقبل ونستعين بالله على هذا العمل سائلينه الأجر الجزيل منه على ما نقوم به من نفع للناس وتوعيتهم بأضرار تعاطي هذا الخبيث.