لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم الآخرة ...
صفحة 1 من اصل 1
لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم الآخرة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، أكثر الإخوة المؤمنين يطمحون أن يكونوا من أهل العلم ، أو من أهل الفضل ، يطمحون إلى التقرب إلى الله بدعوة أو بخدمة ، ببذل أو بإقناع ، لأن حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح ، والدنيا كما ترون تغر ، وتضر ، وتمر ، لكن هذا الطموح لدى أي أخ مؤمن أن يكون من أهل الفضل بعمله الصالح ، أو أن يكون من أهل العلم بدعوته ، هناك صفات نفسية لا تتوافق مع الدعوة إلى الله ، بل إنها تلغي الدعوة إلى الله ، بل إنها تحبط سعي الداعي إلى الله ، وسعي الذي يتقرب إلى الله بعمله الصالح ، الحديث قصير جداً وموجز ، وجامع ومانع ، ورد في صحيح مسلم عن أبي الدَّرْدَاءِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
[ مسلم ، أبو داود ، أحمد ]
قبل أن نشرح الحديث ، شفعاء بعملهم الصالح ، وشهداء بعلمهم ، قال تعالى :
[ سورة النساء : 85]
أي عمل صالح الذي كان سببه في صحيفته هذه شفعاء ، وأي عمل دعوي شهداء يشهدون للناس ، حقيقة هذا الدين التوحيد ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
من هم اللعانون ؟ هناك نموذج أيها الإخوة الكرام ، أنا أقول ، ولا أتحفظ بذلك ، نموذج شيطاني ، الذين حوله لأي خطأ يهاجمونه ، يقسون عليه ، ينددون ، يشهرون ، يكبرون الأمر يفضحون ، من المستحيل أن يأتي إنسان كما تتمنى تماماً ، فأي خطأ ، أي مفارقة ، أي تعليق ، أي تقصير يشهر ، ويفضح ، النبي عليه الصلاة والسلام عبّر عن كل هذه التصرفات الهوجاء الرعناء الخرقاء بكلمة ( لعّان ) ، يلعن من حوله ، ينتقدهم ، يشهر بهم ، يفضحهم ، يشهر بهم على ملأ ، لا يخجل ، ولا يستحي ، هو الحق وما سواه الباطل ، هو على صواب ، وما سواه على خطأ ، هو النموذج الكامل ، وأي مخالفة لنموذجه يعد هذا نقصاً ، هذه النفسية ، نفسية القنص والتجريح والتوبيخ والتفضيح والقسوة والتعليق اللاذع والازورار ، هذه الأساليب لا يمكن أن تتناسب مع الدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله يجب أن يتميز صاحبها بسعة الصدر وطول النفس ، وعمق التفكير وبعد النظر ورجاحة العقل ، وأن يتميز بالحكمة .
أنا أعجبتني مرة مديرة مدرسة تقول للمعلمة حينما تبتغي أن تعمل عندها تقول لها : هل تحبين الصغار ؟ إن كنت لا تحبينهم فلا يمكن أن تنجحي في عملك .
فأنت هل تحب من حولك ؟ هل تستوعبهم ؟ هل تغفر زلاتهم ؟ هل تعفو عن خطيئاتهم ؟ هل تتسع بهم ؟ هل تسامحهم ؟ هل تلتمس له العذر ؟ هذا الحد الأدنى لمن أراد أن يدعو إلى الله ، أما أن يكون كل الناس خصومًا لك ، وأقلّ خطأ تذبحهم من الوريد إلى الوريد فلا .
وذكرت مرة في الخطبة أن إنساناً صلى إلى جانبه شاب ، يبدو أن هذا الإنسان وقور وكبير في السن ، أعجبته صلاة الشاب ، فلما انتهى من صلاته من باب الإعجاب ، ومن باب الثناء والتشجيع قال له كلمة مختصرة ، مفادها أنني أدعو لك أن تصلي في بيت الله الحرام ، فاختصرها بكلمة حرماً ، هذا الشاب جحظت عيناه ، وامتقع لونه ، وحد النظر في هذا الشيخ ، وقال له : هذه الكلمة لم ترد عن رسول الله ، هي بدعة ، قال له : وماذا ورد عنه ؟ هل ورد عنه قلة الذوق ؟
هناك إنسان قاسٍ في دعوته ، لسبب تافه ، لمخالفة طفيفة جداً ، لو قال لك : تقبل الله تقيم عليه الدنيا ، لو دعا إلى الله ، ورفع يديه فهذه الطريقة في الدعوة المبنية على القسوة ، على التنديد ، على الإحراج ، على التضييق ، وعلى التفنيد ، وعلى التعقيد ، وعلى الفحص ، أنت لست قاضياً ، أنت داع ، قال بعض كبار العلماء : نحن لسنا قضاة ، لكننا دعاة ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 125]
فهذه القضية أيها الإخوة الكرام ، وأنا أقول لكم ، ولا أبالغ : ليس على وجه الأرض من دون استثناء إنسان أفضل عند الله ممن قال تعالى عنه :
[ سورة فصلت ]
لأنها صنعة الأنبياء ، أي عمل صالح ينتهي عن الموت ، أطعمته ، أسكنته في بيت ، زوجته ، مات الزواج ، انتهى البيت ، انتهى الإطعام ، لكنك لو هديته إلى الله إلى أبد الآبدين يسعد بهذا الهدى ، أنا أقول دائماً : لك أب أنجبك ، ولك أب زوجك ، ولك أب دلك على الله ، الذي دلك على الله منحك سعادة الأبد ، أو كان سبباً في منحك سعادة الأبد ، فذلك له ولاؤك ، أما أن يأتي الإنسان ليدعو إلى الله بقسوة وغلظة ، والذي أقوله دائماً أيها الإخوة الكرام : إن النبي عليه الصلاة والسلام كان قمة في الكمال ، قمة في العفو ، قمة في التسامح ، قمة في الحكمة ، قمة في الرحمة ، قمة في اللطف ، قمة في الحلم ، ومع ذلك قال الله له :
[ سورة آل عمران : 159]
جمع الكمال البشري فيه ، وجمع الجمال فيه ، وجمعت الحكمة فيه ، وجمع البيان فيه ، أنا أفصح العرب ، بيد أني من قريش ، وأوتي الوحي ، وأوتي القرآن ، وأوتي المعجزات ، وأيده الله ، وبلغ سدرة المنتهى ، ومع كل هذه الخصائص المذهلة يقول الله له : أنت بالذات ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 159]
هناك تعليق لطيف ، فأنت إن لم تكن نبياً ، ولا رسولاً ، ولا يوحى إليك ، ولم تؤتَ جمال المنظر ، ولا فصاحة البيان ، ولا المعجزات ، ولا الخوارق ، ولا القرآن ، ولست في قمة النسب ، وكنت فظاً غليظ القلب ، شيء مستحيل .
والله أيها الإخوة الكرام ، أتكلم من أعماقي ، أتكلم مما أرى من قسوة في الدعوة ، واستعلاء ، وكبر ، هو في أعلى عليين ، وهؤلاء الذين يدعوهم في أسفل سافلين .
الدعوة لها خصائصها ، أقلّ ما في خصائصها المعلومات ، وأكبر ما في خصائصها الصفات النفسية ، مثلاً : هل يجرؤ شاب يقف أمام رسول الله يقول له : ائذن لي بالزنا ؟ الآن هل يجرؤ إنسان يدخل على وزير العدل ويقول له : اسمح لي أن أسرق ، هذه إهانة للوزير ، اسمح لي أن أسرق ، ائذن لي بالزنا ، الصحابة الكرام هاجوا وماجوا ، قال : دعوه ، تعال يا عبد الله ، لأنه يحب الإنسان ، قال له : يا عبد الله ، (( أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا ، وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ )) .
[ أحمد ]
يقول هذا الشاب : دخلت على رسول الله وما شيء أحب إلي من الزنا ، وخرجت من عنده وما شيء أبغض لي من الزنا ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أحب الإنسان ، أحبه ولو كان عاصياً ، عبد لله جاهل ، الآن بربك لو كنت طبيباً في الجلدية ، وجاءك مريض معه مرض في جلده ، كله قيح ، منظر مخيف ، هل تحقد عليه ؟ لا ، لكنك تشفق عليه ، فرق كبير بين أن تحقد عليه وأن تشفق عليه .
أيها الإخوة الكرام ، هؤلاء العصاة ، هؤلاء المنحرفون ، هؤلاء الأغبياء ، هؤلاء الذين يتجاوزون الحدود ، المستكبرون هم جهال ، إذا كنت مؤمناً كاملاً فلا تحقد عليهم ، ولكن تشفق عليهم ، والدليل أن إنساناً يتجرأ ، ويسخر من نبي ، إنسان يتجرأ ، ويضرب النبي حتى يدمي قدميه ، يتجرأ ويكذب النبي عليه الصلاة والسلام ، والنبي جاء لهدايتهم ، فجاءه ملك الجبال ، قال : يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين ، قال : لا يا أخي .
والله لما أتلو هذا الكلام ، والله مئات المرات لا أرتوي منه ، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال : اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون .
أولاً دعا لهم بالهداية ، ولم يتبرأ منهم ، واعتذر عنهم ، وتمنى لهم ذرية صالحة ، كم بندًا ؟ اهد دعاء ، ما قال : اهد هؤلاء ، اللهم اهد قومي ، هم قومي ، وأنت كمؤمن هؤلاء المسلمون أهلك ، هم في أخطاء ، في معاص ، في آثام ، في انغماس بالملذات ، في ضعف ، في مخالفات ، في تفلت ، هؤلاء أهلنا ، بدل أن تنتقدهم ، وأن تستعلي عليهم ، وأن تحتقرهم حاول أن تهديهم ، أن تشعل شمعة أفضل ألف مرة من أن تلعن الظلام ، بدل أن تلعن الظلام مئة مرة أشعل شمعة واحدة ، نمط اللعان مرفوض ، نمط اللعان القناص المنتقد الذي يبحث عن العيوب ، الذي يشهر ، هذا النمط لا يمكن أن يكون صاحبه داعية إلى الله عز وجل ، نمط يسبب الحرج ، يسبب المرض النفسي ، يسبب الجرح لا يندمل ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، قال له : يا عبد الله ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا ، أقنعه .
أنا أقول لكم أيها الإخوة الكرام : لا تحاول أن تقمع حاول أن تقنع ، القمع لا يسمن ، ولا يغني من جوع .
أعرف رجلاً أنا أظنه صالحاً مستقيمًا ، وله أعمال طيبة ، لكنه لم يقنع بناته بالالتزام ، قمعهن فلما مات تفلتت بناته من حجاب إلى تفلت كامل ، لأنه قمع ، ولم يقنع ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف )) .
يجب أن تحب الناس ، يجب أن تحبهم على علاتهم ، هؤلاء أهلنا ، هؤلاء المسلمون ، بدل أن تنتقدهم ، وأن تستعلي عليهم ، وأن تحتقرهم ، وأن تزدريهم ادع لهم بالهدى ، اللهم اهدهم ، ردهم إلى دينك رداً جميلاً ، لولا أن النص صحيح ، جيء لرسول الله بشارب خمر ، فالصحابة لعنوه ، قال : لا تلعنوه ، إنه يحب الله ورسوله ، علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن الإنسان أحياناً يعصي الله ، لكنه مغلوب على أمره ، ضعف أمام شهوته ، هذه معصية ، لا شك ، معصية كبيرة ، لكن بينها وبين الذي يستنكف أن يعبد الله عن كبر بون شاسع ، الشيطان أبى أن يسجد كبراً ، أما سيدنا آدم نسي ، ولم يجد له عزمًا ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 37]
أهون ألف مرة أن تستغفر من ذنب وقعت فيه غلبة من أن تستغفر من ذنب وقعت فيه استعلاءً وكبراً ، قال تعالى :
[ سورة النساء ]
أيها الإخوة الكرام ، مرة ثانية : إن أردت أن تكون من أهل الفضل ، أو من أهل العلم ، إن أردت التقرب إلى الله ببيانك ، أو بمالك فلا ينبغي أن تكون لعاناً ، ولعان كلمة تعبر عن مجموعة صفات ، النقد اللاذع ، القنص ، التشهير ، الفضيحة ، أن تنتقض على رؤوس الأشهاد ، ألاّ تعبأ بكرامة الإنسان ، لذلك الذي يحصل الآن النقد العلني ، ينشر حزازات ، وأحقادًا ، وانتقامًا ، ويكال الصاع عشرة أصوع ، أما النصيحة فيما بينك وبينه فهذه لها معنى آخر ، الناصح ينصح سراً ، والفاضح يفضح علانية ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، يعني أعمالهم الصالحة لا تقبل ز
أيها الإخوة الكرام ، هذا الذي ارتكب أكبر خيانة ثابتة في تاريخ البشرية ، الإنسان إذا أرسل للعدو معلومات ليكشف عورة المسلمين ، حاطب بن بلتعة أرسل كتاباً إلى قريش ، إن محمداً سيغزوكم ، فخذوا حذركم ، وجاء الوحي النبي عليه الصلاة والسلام ، وأخبره بما كان ، والنبي أرسل صحابيين أحدهما سيدنا علي رضي الله عنه إلى ما بين مكة والمدينة ، و جاؤوا بالكتاب من امرأة في طريقها إلى مكة ، وجيء بحاطب ، وسيدنا عمر واقف ، قال : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، قال له : لا يا عمر ، إنه شهد بدراً ، أرأيت إلى هذا الوفاء ؟ أرأيت إلى هذا الحلم ؟ أرأيت إلى هذه الرحمة ؟ لا يا عمر ، إنه شهد بدراً ، يا حاطب تعال ، ما حملك على ما فعلت ؟ قال : والله يا رسول ما كفرت ، ولا ارتددت ، ولكنني لصيق في قريش ، وأنا موقن بنصر الله لك ، لكنني أردت بهذا الكتاب أن أحمي مالي وأهلي ، فاغفر لي ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني صدقته فصدقوه ، ولا تقولوا فيه إلا خيراً .
أنا ألح في هذا اللقاء ، وفي هذا الدرس على أن تحب من حولك ، الدين كله حب ، أن تحب جميع الناس على اختلاف مستوياتهم ، أنت حينما تحبهم تأخذ بيدهم ، وكأن في سريان مشاعر بينك وبينهم ، أنت محب ، قد يقسو ، لكنه محب ، والمجامل قد يحقد ، لكن مجاملته لا تصل إلى قلبك ، ابتسامة ظاهرة ، ابتسامة خادعة ، وأحياناً قسوة من إنسان محب ، لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 125]
في مئات الأساليب يجب أن تنتقي الأسلوب الحسن في الدعوة إلى الله ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، وطن نفسك أن تستوعب الناس ، أن تحلم عليهم ، وطن نفسك أن تلتمس لهم العذر ، وقد ورد أن التمس لأخيك عذراً ، ولو سبعين مرة ، وطن نفسك أن تعاملهم كما تحب أن يعاملوك .
هناك نقطة دقيقة أتمنى أن تكون واضحة عندهم ، العالم الغربي طبقها لا عن تقرب إلى الله ، لكن عن ذكاء ، كل بني آدم خطاء ، حاول أن تعطي من حولك إذا أخطأ فرصة ليصحح ، أكثر إداراتنا للمعامل والمؤسسات والمحلات التجارية إدارة لا تغفر ، أول خطأ يسرحه ، أنا أتمنى أن نقتدي بالنبي الكريم في معاملته لحاطب بن بلتعة ، أخطأ ، واعترف ، أنا لا أنسى هذه القصة ، ورويتها لكم يمكن عشرات المرات .
خطيب جامع بأحد أحياء دمشق العريقة ، يرى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه ، يقول له : أبلغ جارك فلانًا أنه رفيقي في الجنة ، جاره فلان بائع متواضع جداً ، سمان ، وهو خطيب ومتعلم ، فصاحة ، و أدلة ، ومركزًا ، واعتلاء منبر ، الخطيب كسر خاطره ، هذه البشارة لي أم له ، لمن هذه البشارة ؟ للسمان المجاور له ، فذهب إليه مكسور القلب ، قال له لك عندي بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن والله لا أعلمك إياها إلا إذا أنبأتني ماذا فعلت مع الله حتى كانت هذه البشارة ؟ قال له : تزوجت امرأة ، وبعد خمسة أشهر بالتعبير النسواني بطنها إلى حلقها ، هذا الحمل ليس منه ، زلة قدم ، ويبدو أنها ندمت أشد الندم ، قال له : بإمكاني أن أطلقها ، ومعي حق ، وهذا هو العدل ، وبإمكاني أن أفضحها ، ومعي الحق ، وهذا هو العدل ، وبإمكاني أن أسحقها ، ومعي الحق ، وهذا هو العدل ، لكنني آثرت الإحسان ، لأن الله عز وجل يقول :
[ سورة النحل : 90]
أردت أن أجعل توبتها على يدي ، أتى بقابلة ، فولدتها ، وحمل الطفل تحت عباءته ، وانتظر حتى نوى الإمام صلاة الفجر ، دخل ، ووضع الطفل وراء الباب ، وائتم بالإمام ، فلما انتهت الصلاة بكى الطفل ، وتحلق الطفل حول هذا الطفل مدهوشين ، فاقترب منهم ، قال : ما الخبر ؟ قالوا : تعال ، وانظر ، طفل ، قال : أنا أكفله ، فأخذه أمام الحي على أنه أخذه ليكفله ، ورده إلى أمه ، وتابت على يديه .
أنا أقيس على ذلك أي إنسان يشكو من زوجته ، أنا أقول : أعطها فرصة إن تابت فلك أجر لا يعلمه إلا الله ، أقرأ هذه الآية دائماً :
[ سورة النحل : 90]
مرة أخ يعمل في إنشاء البيوت ، فاشترى أرضاً من المحافظة ، اشتراها خالية ، لكن فيها حانوت يعمل فيه صاحبه بالحلاقة ، فلما طال تسليم المحل أبلغ المحافظة ، وجاءت ، وهدمت المحل ، فجاءني في هذا المسجد ، قال : هذا أحد إخوانك أمر بهدم المحل ، وتركني في الطريق ، هذا شيء يرضيك ؟ قلت : لا والله ، فالأخ طلبته ، قال : أنا اشتريت المحضر فارغًا ، وهو تأخر بتسليم المحضر ، وأنا أريد أن أعمل ، وليس له عندي شيء ، قلت له : صحيح ، هذا هو العدل ، أين الإحسان ؟ انتبه ، قال لي : أقدم مبلغاً ، وأخذنا له محلا في الجبل ، هذه الآية ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 90]
مليون قضية لا تحل بالعدل ، بالإحسان تحل ، فأنت مأمور بالإحسان ، كما أنك مأمور بالعدل تحتاج إلى حب .
ليست القضية قضية سحق ، ولا قضية فضح ، والله أنا في نشوة بموقف النبي عليه الصلاة والسلام من صحابي عنده بستان دخل إنسان إلى البستان ، وأكل منه من دون إذن ، بحسب النصوص هو سارق ، بحسب ما على الشبكية سارق ، فقيده ، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام على أنه سارق ، قال : هذا أكل من بستاني ، فالنبي أجابه إجابة هي الآن منهج ، والعالم الآن كله لو أخذ بها لما كنا فيما نحن فيه ، قال له : هلا علمته إذا كان جاهلاً ، وهلا أطعمته إن كان جائعاً ؟ صحيح هو أكل من دون إذن ، لكن هل فكرت أن تقول لي : ماذا أكل ؟
والله يا أيها الإخوة الكرام ، لو طبقنا هذا الحديث لنجحنا ، لكن فكر هذا لماذا فعل ذلك ؟ عنده مشكلة ، حاولت تفهم مشكلته ، يقول لي : ابني يسرق ، لا تعطه شيئاً ، يأتي إلى المدرسة يشتري الأولاد الأكلات الطيبة ، وهو محروم ، وأنت ما وجهته توجيهاً قوياً ، أنا أرى الناجحين بحياتهم أكثر الأخطاء أخطاء من حولهم ، يعدون أنفسهم سبباً بها ، يحلونها ، أنا ما أدعو أن تتساهل مع ابنك أبداً ، يجب أن تعطيه حقه بالمعقول ، لكن لا شيء أبداً ؟!
يضعها في البيت أربع سنوات من دون نزهة ، لا تتحمل ، تكره دينه ، وتكره الصلاة ، هذه نفس ، لما أنت تعطي الإنسان حقه ، وتطالبه بالالتزام بالورع بالدقة ، كنت أقول كلمة : أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته ، وخذ منه كل شيء .
أقول لكم كلاماً دقيقاً جداً ، لكنه مؤسف جداً : العالم الغربي سبب قوته أن كل إيجابياته إسلامية ، لأنه يعبد الدولار من دون الله ، ويعبد المال ، لأنه يعبد المال أتقن عمله ، لأنه يعبد المال ، أعطى الإنسان ما يحتاج ، لأنه يعبد المال من دون الله أعطاه كرامته ، أعطاه حريته ، لذلك أعطي الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء ، كل إيجابيات العالم الغربي إسلامية ، لكن مع الأسف نحن المسلمين كلفنا الله بنشر الإسلام ، إطارنا إسلامي ، لكن حقيقة علاقاتنا ليست إسلامية ، لذلك الكلمة التي يقولها عالم جليل : إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
كنت مرة في بلد في الشرق في أستراليا ، وحدثوني عن امرأة أنجبت ثلاث توائم في المستشفى ، طبعاً الطب هناك مضمون أكبر عملية بالملايين مجاناً ، ضمان طبي كامل ، فهذه دخلت المستشفى ، وأنجبت ثلاث توائم ، بعد عدة أيام تريد أن تأخذ أولادها إلى البيت ، قالوا : لا ، لا تملكين أهلية العناية بأطفال ثلاثة ، يجب أن يبقوا عندنا شهرًا ، وتأتي كل يوم أربع مرات ، أو خمس مرات لإرضاعهم ، تعليمات مشددة ، مضى الشهر ، اسمحوا لي بهم ، لا ، لا تستطيعين ، تحتاجين أن ترعيهم أمامنا أسبوعًا حتى نتأكد من أهليتك لرعاية الأولاد ، ثم انتهى الأمر .
كنت في السودان ، حادثة مشابهة تماماً ، كنا في مستشفى في جنوب السودان ، الذي عانت أربعين سنة حرب أهلية ، وامرأة في المستشفى أنجبت ثلاث توائم ، ليس هناك حاضنة ، ولا غذاء تأكله ، ولا حليب ، ولا شيء ، مات أمامنا واحد ، بعد فترة مات الاثنان ، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
الإنسان من حقه أن يعالج ، من حقه أن يتعلم ، من حقه أن يسكن في بيت ، من حقه يأكل أكلا صحيّا ، لما يكون عندنا إطار إسلامي ومضمون الإسلام غير مطبق فيه فعندنا مشكلة مع الله كبيرة جداً .
أيها الإخوة الكرام ، يقول لك الإنسان أحيانا : أين الحل ؟ أين الخلاص ؟ أنا أقول لكم : والله بكل خلية من جسمي ، وبكل قطرة في دمي مؤمن بهذا الكلام ، إنما تنصرون بضعفائكم ، هذا الضعيف فقير ينبغي أن تطعمه ، العاري ينبغي أن تكسوه ، المشرد ينبغي أن تؤوية ، المريض ينبغي أن تعالجه ، الجاهل ينبغي أن تعلمه ، المظلوم ينبغي أن تنصفه ، فإذا أنصفت الضعيف يكافئك الله بمكافأة من جنس عملك ، فينصرك على من هو أقوى منك ز
بناء على هذا الحديث أقول : والله لا نشم رائحة النصر مادام هناك ظلم داخلي في بيوتنا ، بمؤسساتنا ، بمعاملنا ، مادام هناك ظلم داخلي فالنصر بعيد عنا كثيراً ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، والله لا أتمنى أن أذكرهم بخير ، ولكنني مضطر أحياناً أن أبين الفرق بين ما عندنا وما عندهم ، المعلومات في الدعوة أقل ما فيها ، والقلب الكبير في محبة الآخرين ، والإنصاف ، والتلطف ، والحلم ، والرحمة ، والانتماء ، هؤلاء أهلك ، هؤلاء المسلمون أهلك ، بدل أن تستعلي عليهم ، وأن تزدريهم عاونهم ، بدل أن تلعن الظلام ألف مرة أوقد شمعة واحدة قدم شيئا ، قدم شيئًا لهذه الأمة بدل أن تلعن الظلام .
هذا الحديث على إيجازه جامع ومانع ، وأبعاده عميقة جداً ، وكلمة اللعانون اسم مختصر لمن له صفة القنص ، والنقد ، والازدراء ، والتعليق ، والفضيحة ، والاتهام ، والاستعلاء مجموع هذه الصفات اللعانون ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، شفعاء بعمله الصالح ، ولا شهداء للآخرين يوم القيامة ، تسقط أهليته ، تفقد أهليتهم .
مرة ثانية أيها الإخوة الكرام ، أقول لكم من أعماقي : هذا الدين لا يدخل الناس فيه أفواجاً بفصاحتك ، ولا بكلامك ، ولا بروعة بيانك ، يدخل الناس فيه أفواجاً بمعاملتك ، وأنا أؤكد لكم هذا المعنى الدقيق ، ما الذي يشدك إلى الله سؤال ؟ أنت مشدود إلى الدين ، الدليل تصلي ، والدليل تعبد الله ، تصوم رمضان ، تحج البيت ، تأتي إلى الدرس ، تقرأ القرآن ، تغض البصر ، تضبط اللسان ، ترحم ، تنفق من مالك ، أسألك : ما الذي يشدك إلى الدين ؟ ستقول لي بشكل سريع : الدين عظيم ، الدين قدم تفسيراً للإنسان ، تفسيراً كاملاً ، تفسيراً عميقاً ، تفسيراً متناسقاً ، أنا أقول لك : لا ، هذا لا يكفي ، مهما كان الدين عظيماً من حيث الفكر والعمق والتصور والشرح ، مهما كان هذا الدين عظيماً والإنسان أحياناً يدخن ، وهو طبيب ، يحدثك عشر ساعات عن مضار التدخين ، كيف تفسر ذلك ؟ لا تكفي قناعاتك أن تحملك على سلوك معين ، أقول لك : الذي يشد الناس إلى الدين معاملة الله للإنسان .
معمل من معامل جاء إنسان وطلب بضاعة ، لا أدخل في التفاصيل ، البضاعة ربح المعمل منها تقريباً ربع مليون ليرة ، ثم علم صاحب المعمل أن هذه المسكة من أجل علبة خمر غالٍ جداً ، له علبة ، العلبة تحتاج إلى مسكة بلاستيك ، طبعاً صاحب المعمل أخ من إخواننا الكرام ، رفض فوراً ، ما ترك وسيلة ، رفض قطعًا ، الآن هناك مشكلة مع أبيه ، الأب أنت ما دخلك ، أنت تعطي شيئاً مشروعاً ، القصة طويلة ، تم الرفض الكلي ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، والله بعد شهرين ويومين جاءت صفقة مئة ضعف ، وحلال .
أيها الإخوة الكرام ، هناك مقولة : أنا مؤمن بها بكل حرف منها ، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
إن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
أنا أقول لك : مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تدع شيئاً لله ، ثم لا تجد ما يكافئ هذا العمل البطولي ، مستحيل ، لكن قال لي مرة شخص : أنا كنت جاهلاً ، وأبيع مادة محرمة بمطعم ربع قرن ، ودخلي فلكي ، متعاقد مع شركات كثيرة بأسعار خيالية ، لكن لما تاب إلى الله ، وأوقف الخمر الشركات كلها أوقفت عقودها معه ، شركات أجنبية ، والزبائن المتفلتون انصرفوا عنه ، والدخل هبط إلى واحد من خمسين ، أقول لكم هذه الفكرة الدقيقة : لما تتخذ قراراً بطولياً فلا بد من أن تدفع ثمنه ، لأنك إن لم تدفع ثمنه فلا يعد بطولياً ، لو أن إنسانًا ألغى الخمر من مطعمه ، وثاني يوم تضاعفت الغلة يلغيها المدمنون عن الخمر ، حتى يضاعفوا الغلة ، يحب الله ، يدفعك ثمن القرار إلى حين فقط ، الدليل قال تعالى :
[ سورة التوبة : 28]
ما الذي سيحصل ؟ توقفت السياحة ، لا يوجد سياح ، الفنادق فارغة ، المطاعم فارغة ، هذا منطق العصر الآن ، قال تعالى :
[ سورة التوبة : 28]
يعني فقراً ، لكن هناك سوف ، معنى سوف بعد حين ، في مرحلة لا بد منها ، لابد من أن تدفع الثمن ، فإذا علم الله منك صدقاً وإصراراً وورعاً واستسلاماً لله يغنيك بعدئذ .
رجل عنده مطعم يبيع فيه الخمر ، ذهب إلى الحج ، وتاب ، وألغى بيع الخمر ، الغلة هبطت إلى العشر ، فأعاد بيع الخمر ، ومات بعد اثني عشر يوماً من نكسته ، ولقي الله بائع خمر ، فلذلك إذا جاء الإنسان دخل كبير من معصية ، وتركها فلا يطمع في مدى سريع جداً أن يعوض الله عليه ، لا ، يجب أن يؤهل نفسه بدفع ثمن هذا القرار البطولي ، قال تعالى :
[ سورة التوبة : 28]
ليس الآن ، حينما يعلم الله منك صدقاً وإصراراً على طاعته عندئذ يغنيك من فضله .
(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
هناك كلمة ، إنسان تكلم كلمة دقيقة جداً ، أنا والله مؤمن بها بكل ما في مشاعري وإدراكي ، الإنسان يظن الحب له مرحلة أولى ، وينتهي ، هذا كلام يقوله الأزواج ، في أثناء الخطبة المكالمة ست ساعات على الهاتف ، لكن بلغني أن واحدًا حدث خطيبته ثلاث عشر ساعة متوالية ، هذا رقم أولمبي ، أعلى رقم ثلاث عشرة ساعة على الهاتف ، بعد الزواج بسنتين يأتي إلى البيت تجر منه الكلمة جراً ، لا يتكلم ، شيء طبيعي ، فدائماً يقول لك : انتهى الحب ، علاقة روتينية ، علاقة رتيبة ، ليس لها معنى ، ملل ، سأم ، ضجر ، أو بتعبير آخر ختمتها وختمتني ، كل إنسان عنده قصة يحكيها وانتهى ، هذه نعاني منها في التدريس ، كنا في الجامعة طلابًا يأتي الدكتور عنده أشياء جميلة جداً ، بعد شهور تنتهي ، وانتهى ، ختمناه ، أما الجواب فعكس ذلك ، الحب يصنع صناعة ، أنت تستطيع لو مضى على زواج ثلاثين سنة أن تدخل بالمودة والرحمة والمعاونة ، والابتسامة والاعتذار أحياناً ، والخدمة ، الحب يبقى كما هو عليه ، لكن ليس بالحالة الحادة كأيام الخطبة ، هذه ليست معقولة ، لو أن الأمر كذلك لا ترى شيئاً في الحياة ، تقف الحياة .
قال لي مرة أخ : عندي سؤال لي ، أنا في حرج أن أسألك إياه ، قلت له : تفضل ، قال : ما الحكمة إذا كان الزوجة ليست جيدة ؟ قلت له : حتى أراك في المسجد ، ما كنا نراك إذا كانت جيدة ، كنت وضعتها ، وجلست ، في أشياء وسط ، هناك حكمة بالغة ، لذلك لما يتعرف الإنسان إلى الله كل شيء ليس له فيه اختيار لصالحه ، إذا أنت لم تكن لعاناً لا سمح الله ولا قدر يقابل اللعن الحب ، يمكن أن تحب من حولك ، والحب تصنعه أنت بخدمتك الصادقة ، بابتسامتك ، بتواضعك ، بإخلاصك ، الناس يألفون ، ذلك الحب يسري كما تسري النفس في شيء بعيد ، لو فرضنا إنسانًا في موسم الحج يأتيه هاتف ، حصلنا لك على الفيزا ، يضع السماعة على الهاتف صار في الحج ، دخل في عالم الحج ، يهيئ أغراضه وحاجاته ، ويؤمن من يحل محله في غيابه ، الإنسان أحيانا تسري نفسه إلى طرف آخر في العالم ، إذا كان له ابن هناك ، وأحب أن يسافر إليه صارت نفسه كلها ممتلئة بمشاعر السفر ، والوصل إلى ابنه مثلاً .
لذلك أيها الإخوة الكرام ، إذا ما كان الإنسان لعان ماذا يقابل ؟ أن يكون محباً ، الحب تصنعه أنت .
أنا أتمنى أيها الإخوة الكرام أن يكون كل بيت جنة ، بإمكانك أن تفعل بأي ظرف ، بيت صغير ، كبير ، عال ، منخفض ، أجرة ، ملك ، زوجة وسط ، شاطحة ، درجاتها مئة ، تسعون ، خمسون ، أربعون ، ممكن أن تصنع الحب بيدك ، بابتسامتك ، بإلقاء السلام ، بالصدق ، بالخدمة ، بالعطف ، بالمحبة ، بالإكرام ، تصنع الحب ، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ورزقني حبها ، السيدة خديشة ، رزقني ، يعني رزق الإنسان حبّ حليلته ، ، متى المصيبة ؟ أن يحب امرأة لا تحل له ، ويتعلق بامرأة لا تحل له ، أما إذا أحب زوجته فهذا إنجاز كبير ، يحتاج إلى دقة ، وإلى تطبيق السنة ، هل فيك أن تحب الطلاب ؟ نعم أنت حينما تحبهم يحبونك ، هل لك أن تحب من حولك في العمل ؟ نعم أنت حينما تحبهم يحبونك ، الكلام الدقيق يصنع بأيدينا ، وليست القضية غيبية ، ضبابية ، يهبهم الله لمن يشاء ، لا أنت بانضباطك تحب وتحب .
مرة كان لنا أستاذ بعلم النفس من أكبر المدرسين ، وله سمعة في الشرق الأوسط ، تقاعد ، ولمرة واحدة جامعة دمشق وكلية التربية التي كنت فيها أقيم حفل وداع كبير لهذا الأستاذ ، فألقيت كلمات كثيرة ، وقام ، وألقى كلمة ، قال : الإنسان الذي لا يشعر بحاجة إلى أن يحب أو يحب فليس من بني البشر .
يجب أن تشعر بحاجة إلى أن تحب الناس ، وإلى أن يحبوك ، في حالات بالحب كان الصحابة الكرام إذا مشى اثنان وفرقت بينهما شجرة يسلمان على بعضهما بعد الشجرة ، واشوقاه لفلان ، البارحة العشاء كنت معه ، الفجر سلم عليه ، وقال له : وا شوقاه إليك ، هذا الحب أنت حينما تحب الناس يحبك الناس ، تحب زوجتك ، تحبك زوجتك ، تحب أولادك ، يحبك أولادك ، تحب جيرانك ، يحبك جيرانك ، هذه عملية متداخلة ، تأكد : مستحيل أن تحب إنساناً ، ولا يحبك ، أو مستحيل يحبك إنسان ، ولا تحبه ، الدليل : عوضاً عن اللعن والنقد والحقد والكراهية ، والفضيحة والتشهير ، والقنص واللمز ، الحب ، فلذلك أيها الإخوة الكرام ، كلمتان خفيفتان على اللسان ، الحب يصنع صناعة ، بإمكانك أن تحب كل من حولك ، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم بأخلاقكم ، الابتسامة صدقة ، وطلاقة الوجه صدقة ، والإكرام والهدية ، والنبي قال : تهادوا تحابوا ، أفشوا السلام بينكم ، ممكن أن يكون الحب أساسه إفشاء السلام ، والهدية والدعوة والخدمة ، والنصيحة لا الفضيحة .
أنا جعلت هذا الدرس إن شاء الله حول النموذج اللعان ، القناص ، المنتقد ، القاسي الذي يغمز ، ويلمز ، ويشهر ، ويفضح ، هذا لا يشم رائحة الدعوة إلى الله ، ولا يشم رائحة العمل الصالح ، هو مرفوض عند الناس ، أما الذي يحب الناس ، لأنه يحب الله ، لأن هؤلاء عباده ، الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله .
وكنت أقول دائماً : الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، وشتان بين أن تملك القلب ، وبين أن تملك الرقبة فرق كبير ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، أهرامات مصر قليلة ، مئة مئات الألوف من أجل أن يكون الهرم قبرًا لإنسان ، الهرم قبر ، الأنبياء يمدحون في غيبتهم ، والأقوياء في حضرتهم .
أيها الإخوة الكرام ، والناس جميعاً أتباع نبي أو قوي ، أتباع الأنبياء رأسمالهم أخلاقهم العالية كمالاتهم تملك الصدق ، والأمانة ، والرحمة ، واللطف ، والتواضع ، والأقوياء أسباب قوتهم دفتر الضبط الذي مع الشرطي ، هذا معه صلاحية معه قوة .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون هكذا محبين بعيدين عن اللعن والانتقاد .
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، أكثر الإخوة المؤمنين يطمحون أن يكونوا من أهل العلم ، أو من أهل الفضل ، يطمحون إلى التقرب إلى الله بدعوة أو بخدمة ، ببذل أو بإقناع ، لأن حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح ، والدنيا كما ترون تغر ، وتضر ، وتمر ، لكن هذا الطموح لدى أي أخ مؤمن أن يكون من أهل الفضل بعمله الصالح ، أو أن يكون من أهل العلم بدعوته ، هناك صفات نفسية لا تتوافق مع الدعوة إلى الله ، بل إنها تلغي الدعوة إلى الله ، بل إنها تحبط سعي الداعي إلى الله ، وسعي الذي يتقرب إلى الله بعمله الصالح ، الحديث قصير جداً وموجز ، وجامع ومانع ، ورد في صحيح مسلم عن أبي الدَّرْدَاءِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
[ مسلم ، أبو داود ، أحمد ]
قبل أن نشرح الحديث ، شفعاء بعملهم الصالح ، وشهداء بعلمهم ، قال تعالى :
[ سورة النساء : 85]
أي عمل صالح الذي كان سببه في صحيفته هذه شفعاء ، وأي عمل دعوي شهداء يشهدون للناس ، حقيقة هذا الدين التوحيد ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
من هم اللعانون ؟ هناك نموذج أيها الإخوة الكرام ، أنا أقول ، ولا أتحفظ بذلك ، نموذج شيطاني ، الذين حوله لأي خطأ يهاجمونه ، يقسون عليه ، ينددون ، يشهرون ، يكبرون الأمر يفضحون ، من المستحيل أن يأتي إنسان كما تتمنى تماماً ، فأي خطأ ، أي مفارقة ، أي تعليق ، أي تقصير يشهر ، ويفضح ، النبي عليه الصلاة والسلام عبّر عن كل هذه التصرفات الهوجاء الرعناء الخرقاء بكلمة ( لعّان ) ، يلعن من حوله ، ينتقدهم ، يشهر بهم ، يفضحهم ، يشهر بهم على ملأ ، لا يخجل ، ولا يستحي ، هو الحق وما سواه الباطل ، هو على صواب ، وما سواه على خطأ ، هو النموذج الكامل ، وأي مخالفة لنموذجه يعد هذا نقصاً ، هذه النفسية ، نفسية القنص والتجريح والتوبيخ والتفضيح والقسوة والتعليق اللاذع والازورار ، هذه الأساليب لا يمكن أن تتناسب مع الدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله يجب أن يتميز صاحبها بسعة الصدر وطول النفس ، وعمق التفكير وبعد النظر ورجاحة العقل ، وأن يتميز بالحكمة .
أنا أعجبتني مرة مديرة مدرسة تقول للمعلمة حينما تبتغي أن تعمل عندها تقول لها : هل تحبين الصغار ؟ إن كنت لا تحبينهم فلا يمكن أن تنجحي في عملك .
فأنت هل تحب من حولك ؟ هل تستوعبهم ؟ هل تغفر زلاتهم ؟ هل تعفو عن خطيئاتهم ؟ هل تتسع بهم ؟ هل تسامحهم ؟ هل تلتمس له العذر ؟ هذا الحد الأدنى لمن أراد أن يدعو إلى الله ، أما أن يكون كل الناس خصومًا لك ، وأقلّ خطأ تذبحهم من الوريد إلى الوريد فلا .
وذكرت مرة في الخطبة أن إنساناً صلى إلى جانبه شاب ، يبدو أن هذا الإنسان وقور وكبير في السن ، أعجبته صلاة الشاب ، فلما انتهى من صلاته من باب الإعجاب ، ومن باب الثناء والتشجيع قال له كلمة مختصرة ، مفادها أنني أدعو لك أن تصلي في بيت الله الحرام ، فاختصرها بكلمة حرماً ، هذا الشاب جحظت عيناه ، وامتقع لونه ، وحد النظر في هذا الشيخ ، وقال له : هذه الكلمة لم ترد عن رسول الله ، هي بدعة ، قال له : وماذا ورد عنه ؟ هل ورد عنه قلة الذوق ؟
هناك إنسان قاسٍ في دعوته ، لسبب تافه ، لمخالفة طفيفة جداً ، لو قال لك : تقبل الله تقيم عليه الدنيا ، لو دعا إلى الله ، ورفع يديه فهذه الطريقة في الدعوة المبنية على القسوة ، على التنديد ، على الإحراج ، على التضييق ، وعلى التفنيد ، وعلى التعقيد ، وعلى الفحص ، أنت لست قاضياً ، أنت داع ، قال بعض كبار العلماء : نحن لسنا قضاة ، لكننا دعاة ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 125]
فهذه القضية أيها الإخوة الكرام ، وأنا أقول لكم ، ولا أبالغ : ليس على وجه الأرض من دون استثناء إنسان أفضل عند الله ممن قال تعالى عنه :
[ سورة فصلت ]
لأنها صنعة الأنبياء ، أي عمل صالح ينتهي عن الموت ، أطعمته ، أسكنته في بيت ، زوجته ، مات الزواج ، انتهى البيت ، انتهى الإطعام ، لكنك لو هديته إلى الله إلى أبد الآبدين يسعد بهذا الهدى ، أنا أقول دائماً : لك أب أنجبك ، ولك أب زوجك ، ولك أب دلك على الله ، الذي دلك على الله منحك سعادة الأبد ، أو كان سبباً في منحك سعادة الأبد ، فذلك له ولاؤك ، أما أن يأتي الإنسان ليدعو إلى الله بقسوة وغلظة ، والذي أقوله دائماً أيها الإخوة الكرام : إن النبي عليه الصلاة والسلام كان قمة في الكمال ، قمة في العفو ، قمة في التسامح ، قمة في الحكمة ، قمة في الرحمة ، قمة في اللطف ، قمة في الحلم ، ومع ذلك قال الله له :
[ سورة آل عمران : 159]
جمع الكمال البشري فيه ، وجمع الجمال فيه ، وجمعت الحكمة فيه ، وجمع البيان فيه ، أنا أفصح العرب ، بيد أني من قريش ، وأوتي الوحي ، وأوتي القرآن ، وأوتي المعجزات ، وأيده الله ، وبلغ سدرة المنتهى ، ومع كل هذه الخصائص المذهلة يقول الله له : أنت بالذات ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 159]
هناك تعليق لطيف ، فأنت إن لم تكن نبياً ، ولا رسولاً ، ولا يوحى إليك ، ولم تؤتَ جمال المنظر ، ولا فصاحة البيان ، ولا المعجزات ، ولا الخوارق ، ولا القرآن ، ولست في قمة النسب ، وكنت فظاً غليظ القلب ، شيء مستحيل .
والله أيها الإخوة الكرام ، أتكلم من أعماقي ، أتكلم مما أرى من قسوة في الدعوة ، واستعلاء ، وكبر ، هو في أعلى عليين ، وهؤلاء الذين يدعوهم في أسفل سافلين .
الدعوة لها خصائصها ، أقلّ ما في خصائصها المعلومات ، وأكبر ما في خصائصها الصفات النفسية ، مثلاً : هل يجرؤ شاب يقف أمام رسول الله يقول له : ائذن لي بالزنا ؟ الآن هل يجرؤ إنسان يدخل على وزير العدل ويقول له : اسمح لي أن أسرق ، هذه إهانة للوزير ، اسمح لي أن أسرق ، ائذن لي بالزنا ، الصحابة الكرام هاجوا وماجوا ، قال : دعوه ، تعال يا عبد الله ، لأنه يحب الإنسان ، قال له : يا عبد الله ، (( أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا ، وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ )) .
[ أحمد ]
يقول هذا الشاب : دخلت على رسول الله وما شيء أحب إلي من الزنا ، وخرجت من عنده وما شيء أبغض لي من الزنا ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أحب الإنسان ، أحبه ولو كان عاصياً ، عبد لله جاهل ، الآن بربك لو كنت طبيباً في الجلدية ، وجاءك مريض معه مرض في جلده ، كله قيح ، منظر مخيف ، هل تحقد عليه ؟ لا ، لكنك تشفق عليه ، فرق كبير بين أن تحقد عليه وأن تشفق عليه .
أيها الإخوة الكرام ، هؤلاء العصاة ، هؤلاء المنحرفون ، هؤلاء الأغبياء ، هؤلاء الذين يتجاوزون الحدود ، المستكبرون هم جهال ، إذا كنت مؤمناً كاملاً فلا تحقد عليهم ، ولكن تشفق عليهم ، والدليل أن إنساناً يتجرأ ، ويسخر من نبي ، إنسان يتجرأ ، ويضرب النبي حتى يدمي قدميه ، يتجرأ ويكذب النبي عليه الصلاة والسلام ، والنبي جاء لهدايتهم ، فجاءه ملك الجبال ، قال : يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين ، قال : لا يا أخي .
والله لما أتلو هذا الكلام ، والله مئات المرات لا أرتوي منه ، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال : اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون .
أولاً دعا لهم بالهداية ، ولم يتبرأ منهم ، واعتذر عنهم ، وتمنى لهم ذرية صالحة ، كم بندًا ؟ اهد دعاء ، ما قال : اهد هؤلاء ، اللهم اهد قومي ، هم قومي ، وأنت كمؤمن هؤلاء المسلمون أهلك ، هم في أخطاء ، في معاص ، في آثام ، في انغماس بالملذات ، في ضعف ، في مخالفات ، في تفلت ، هؤلاء أهلنا ، بدل أن تنتقدهم ، وأن تستعلي عليهم ، وأن تحتقرهم حاول أن تهديهم ، أن تشعل شمعة أفضل ألف مرة من أن تلعن الظلام ، بدل أن تلعن الظلام مئة مرة أشعل شمعة واحدة ، نمط اللعان مرفوض ، نمط اللعان القناص المنتقد الذي يبحث عن العيوب ، الذي يشهر ، هذا النمط لا يمكن أن يكون صاحبه داعية إلى الله عز وجل ، نمط يسبب الحرج ، يسبب المرض النفسي ، يسبب الجرح لا يندمل ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، قال له : يا عبد الله ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا ، أقنعه .
أنا أقول لكم أيها الإخوة الكرام : لا تحاول أن تقمع حاول أن تقنع ، القمع لا يسمن ، ولا يغني من جوع .
أعرف رجلاً أنا أظنه صالحاً مستقيمًا ، وله أعمال طيبة ، لكنه لم يقنع بناته بالالتزام ، قمعهن فلما مات تفلتت بناته من حجاب إلى تفلت كامل ، لأنه قمع ، ولم يقنع ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف )) .
يجب أن تحب الناس ، يجب أن تحبهم على علاتهم ، هؤلاء أهلنا ، هؤلاء المسلمون ، بدل أن تنتقدهم ، وأن تستعلي عليهم ، وأن تحتقرهم ، وأن تزدريهم ادع لهم بالهدى ، اللهم اهدهم ، ردهم إلى دينك رداً جميلاً ، لولا أن النص صحيح ، جيء لرسول الله بشارب خمر ، فالصحابة لعنوه ، قال : لا تلعنوه ، إنه يحب الله ورسوله ، علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن الإنسان أحياناً يعصي الله ، لكنه مغلوب على أمره ، ضعف أمام شهوته ، هذه معصية ، لا شك ، معصية كبيرة ، لكن بينها وبين الذي يستنكف أن يعبد الله عن كبر بون شاسع ، الشيطان أبى أن يسجد كبراً ، أما سيدنا آدم نسي ، ولم يجد له عزمًا ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 37]
أهون ألف مرة أن تستغفر من ذنب وقعت فيه غلبة من أن تستغفر من ذنب وقعت فيه استعلاءً وكبراً ، قال تعالى :
[ سورة النساء ]
أيها الإخوة الكرام ، مرة ثانية : إن أردت أن تكون من أهل الفضل ، أو من أهل العلم ، إن أردت التقرب إلى الله ببيانك ، أو بمالك فلا ينبغي أن تكون لعاناً ، ولعان كلمة تعبر عن مجموعة صفات ، النقد اللاذع ، القنص ، التشهير ، الفضيحة ، أن تنتقض على رؤوس الأشهاد ، ألاّ تعبأ بكرامة الإنسان ، لذلك الذي يحصل الآن النقد العلني ، ينشر حزازات ، وأحقادًا ، وانتقامًا ، ويكال الصاع عشرة أصوع ، أما النصيحة فيما بينك وبينه فهذه لها معنى آخر ، الناصح ينصح سراً ، والفاضح يفضح علانية ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، يعني أعمالهم الصالحة لا تقبل ز
أيها الإخوة الكرام ، هذا الذي ارتكب أكبر خيانة ثابتة في تاريخ البشرية ، الإنسان إذا أرسل للعدو معلومات ليكشف عورة المسلمين ، حاطب بن بلتعة أرسل كتاباً إلى قريش ، إن محمداً سيغزوكم ، فخذوا حذركم ، وجاء الوحي النبي عليه الصلاة والسلام ، وأخبره بما كان ، والنبي أرسل صحابيين أحدهما سيدنا علي رضي الله عنه إلى ما بين مكة والمدينة ، و جاؤوا بالكتاب من امرأة في طريقها إلى مكة ، وجيء بحاطب ، وسيدنا عمر واقف ، قال : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، قال له : لا يا عمر ، إنه شهد بدراً ، أرأيت إلى هذا الوفاء ؟ أرأيت إلى هذا الحلم ؟ أرأيت إلى هذه الرحمة ؟ لا يا عمر ، إنه شهد بدراً ، يا حاطب تعال ، ما حملك على ما فعلت ؟ قال : والله يا رسول ما كفرت ، ولا ارتددت ، ولكنني لصيق في قريش ، وأنا موقن بنصر الله لك ، لكنني أردت بهذا الكتاب أن أحمي مالي وأهلي ، فاغفر لي ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني صدقته فصدقوه ، ولا تقولوا فيه إلا خيراً .
أنا ألح في هذا اللقاء ، وفي هذا الدرس على أن تحب من حولك ، الدين كله حب ، أن تحب جميع الناس على اختلاف مستوياتهم ، أنت حينما تحبهم تأخذ بيدهم ، وكأن في سريان مشاعر بينك وبينهم ، أنت محب ، قد يقسو ، لكنه محب ، والمجامل قد يحقد ، لكن مجاملته لا تصل إلى قلبك ، ابتسامة ظاهرة ، ابتسامة خادعة ، وأحياناً قسوة من إنسان محب ، لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 125]
في مئات الأساليب يجب أن تنتقي الأسلوب الحسن في الدعوة إلى الله ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، وطن نفسك أن تستوعب الناس ، أن تحلم عليهم ، وطن نفسك أن تلتمس لهم العذر ، وقد ورد أن التمس لأخيك عذراً ، ولو سبعين مرة ، وطن نفسك أن تعاملهم كما تحب أن يعاملوك .
هناك نقطة دقيقة أتمنى أن تكون واضحة عندهم ، العالم الغربي طبقها لا عن تقرب إلى الله ، لكن عن ذكاء ، كل بني آدم خطاء ، حاول أن تعطي من حولك إذا أخطأ فرصة ليصحح ، أكثر إداراتنا للمعامل والمؤسسات والمحلات التجارية إدارة لا تغفر ، أول خطأ يسرحه ، أنا أتمنى أن نقتدي بالنبي الكريم في معاملته لحاطب بن بلتعة ، أخطأ ، واعترف ، أنا لا أنسى هذه القصة ، ورويتها لكم يمكن عشرات المرات .
خطيب جامع بأحد أحياء دمشق العريقة ، يرى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه ، يقول له : أبلغ جارك فلانًا أنه رفيقي في الجنة ، جاره فلان بائع متواضع جداً ، سمان ، وهو خطيب ومتعلم ، فصاحة ، و أدلة ، ومركزًا ، واعتلاء منبر ، الخطيب كسر خاطره ، هذه البشارة لي أم له ، لمن هذه البشارة ؟ للسمان المجاور له ، فذهب إليه مكسور القلب ، قال له لك عندي بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن والله لا أعلمك إياها إلا إذا أنبأتني ماذا فعلت مع الله حتى كانت هذه البشارة ؟ قال له : تزوجت امرأة ، وبعد خمسة أشهر بالتعبير النسواني بطنها إلى حلقها ، هذا الحمل ليس منه ، زلة قدم ، ويبدو أنها ندمت أشد الندم ، قال له : بإمكاني أن أطلقها ، ومعي حق ، وهذا هو العدل ، وبإمكاني أن أفضحها ، ومعي الحق ، وهذا هو العدل ، وبإمكاني أن أسحقها ، ومعي الحق ، وهذا هو العدل ، لكنني آثرت الإحسان ، لأن الله عز وجل يقول :
[ سورة النحل : 90]
أردت أن أجعل توبتها على يدي ، أتى بقابلة ، فولدتها ، وحمل الطفل تحت عباءته ، وانتظر حتى نوى الإمام صلاة الفجر ، دخل ، ووضع الطفل وراء الباب ، وائتم بالإمام ، فلما انتهت الصلاة بكى الطفل ، وتحلق الطفل حول هذا الطفل مدهوشين ، فاقترب منهم ، قال : ما الخبر ؟ قالوا : تعال ، وانظر ، طفل ، قال : أنا أكفله ، فأخذه أمام الحي على أنه أخذه ليكفله ، ورده إلى أمه ، وتابت على يديه .
أنا أقيس على ذلك أي إنسان يشكو من زوجته ، أنا أقول : أعطها فرصة إن تابت فلك أجر لا يعلمه إلا الله ، أقرأ هذه الآية دائماً :
[ سورة النحل : 90]
مرة أخ يعمل في إنشاء البيوت ، فاشترى أرضاً من المحافظة ، اشتراها خالية ، لكن فيها حانوت يعمل فيه صاحبه بالحلاقة ، فلما طال تسليم المحل أبلغ المحافظة ، وجاءت ، وهدمت المحل ، فجاءني في هذا المسجد ، قال : هذا أحد إخوانك أمر بهدم المحل ، وتركني في الطريق ، هذا شيء يرضيك ؟ قلت : لا والله ، فالأخ طلبته ، قال : أنا اشتريت المحضر فارغًا ، وهو تأخر بتسليم المحضر ، وأنا أريد أن أعمل ، وليس له عندي شيء ، قلت له : صحيح ، هذا هو العدل ، أين الإحسان ؟ انتبه ، قال لي : أقدم مبلغاً ، وأخذنا له محلا في الجبل ، هذه الآية ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 90]
مليون قضية لا تحل بالعدل ، بالإحسان تحل ، فأنت مأمور بالإحسان ، كما أنك مأمور بالعدل تحتاج إلى حب .
ليست القضية قضية سحق ، ولا قضية فضح ، والله أنا في نشوة بموقف النبي عليه الصلاة والسلام من صحابي عنده بستان دخل إنسان إلى البستان ، وأكل منه من دون إذن ، بحسب النصوص هو سارق ، بحسب ما على الشبكية سارق ، فقيده ، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام على أنه سارق ، قال : هذا أكل من بستاني ، فالنبي أجابه إجابة هي الآن منهج ، والعالم الآن كله لو أخذ بها لما كنا فيما نحن فيه ، قال له : هلا علمته إذا كان جاهلاً ، وهلا أطعمته إن كان جائعاً ؟ صحيح هو أكل من دون إذن ، لكن هل فكرت أن تقول لي : ماذا أكل ؟
والله يا أيها الإخوة الكرام ، لو طبقنا هذا الحديث لنجحنا ، لكن فكر هذا لماذا فعل ذلك ؟ عنده مشكلة ، حاولت تفهم مشكلته ، يقول لي : ابني يسرق ، لا تعطه شيئاً ، يأتي إلى المدرسة يشتري الأولاد الأكلات الطيبة ، وهو محروم ، وأنت ما وجهته توجيهاً قوياً ، أنا أرى الناجحين بحياتهم أكثر الأخطاء أخطاء من حولهم ، يعدون أنفسهم سبباً بها ، يحلونها ، أنا ما أدعو أن تتساهل مع ابنك أبداً ، يجب أن تعطيه حقه بالمعقول ، لكن لا شيء أبداً ؟!
يضعها في البيت أربع سنوات من دون نزهة ، لا تتحمل ، تكره دينه ، وتكره الصلاة ، هذه نفس ، لما أنت تعطي الإنسان حقه ، وتطالبه بالالتزام بالورع بالدقة ، كنت أقول كلمة : أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته ، وخذ منه كل شيء .
أقول لكم كلاماً دقيقاً جداً ، لكنه مؤسف جداً : العالم الغربي سبب قوته أن كل إيجابياته إسلامية ، لأنه يعبد الدولار من دون الله ، ويعبد المال ، لأنه يعبد المال أتقن عمله ، لأنه يعبد المال ، أعطى الإنسان ما يحتاج ، لأنه يعبد المال من دون الله أعطاه كرامته ، أعطاه حريته ، لذلك أعطي الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء ، كل إيجابيات العالم الغربي إسلامية ، لكن مع الأسف نحن المسلمين كلفنا الله بنشر الإسلام ، إطارنا إسلامي ، لكن حقيقة علاقاتنا ليست إسلامية ، لذلك الكلمة التي يقولها عالم جليل : إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
كنت مرة في بلد في الشرق في أستراليا ، وحدثوني عن امرأة أنجبت ثلاث توائم في المستشفى ، طبعاً الطب هناك مضمون أكبر عملية بالملايين مجاناً ، ضمان طبي كامل ، فهذه دخلت المستشفى ، وأنجبت ثلاث توائم ، بعد عدة أيام تريد أن تأخذ أولادها إلى البيت ، قالوا : لا ، لا تملكين أهلية العناية بأطفال ثلاثة ، يجب أن يبقوا عندنا شهرًا ، وتأتي كل يوم أربع مرات ، أو خمس مرات لإرضاعهم ، تعليمات مشددة ، مضى الشهر ، اسمحوا لي بهم ، لا ، لا تستطيعين ، تحتاجين أن ترعيهم أمامنا أسبوعًا حتى نتأكد من أهليتك لرعاية الأولاد ، ثم انتهى الأمر .
كنت في السودان ، حادثة مشابهة تماماً ، كنا في مستشفى في جنوب السودان ، الذي عانت أربعين سنة حرب أهلية ، وامرأة في المستشفى أنجبت ثلاث توائم ، ليس هناك حاضنة ، ولا غذاء تأكله ، ولا حليب ، ولا شيء ، مات أمامنا واحد ، بعد فترة مات الاثنان ، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
الإنسان من حقه أن يعالج ، من حقه أن يتعلم ، من حقه أن يسكن في بيت ، من حقه يأكل أكلا صحيّا ، لما يكون عندنا إطار إسلامي ومضمون الإسلام غير مطبق فيه فعندنا مشكلة مع الله كبيرة جداً .
أيها الإخوة الكرام ، يقول لك الإنسان أحيانا : أين الحل ؟ أين الخلاص ؟ أنا أقول لكم : والله بكل خلية من جسمي ، وبكل قطرة في دمي مؤمن بهذا الكلام ، إنما تنصرون بضعفائكم ، هذا الضعيف فقير ينبغي أن تطعمه ، العاري ينبغي أن تكسوه ، المشرد ينبغي أن تؤوية ، المريض ينبغي أن تعالجه ، الجاهل ينبغي أن تعلمه ، المظلوم ينبغي أن تنصفه ، فإذا أنصفت الضعيف يكافئك الله بمكافأة من جنس عملك ، فينصرك على من هو أقوى منك ز
بناء على هذا الحديث أقول : والله لا نشم رائحة النصر مادام هناك ظلم داخلي في بيوتنا ، بمؤسساتنا ، بمعاملنا ، مادام هناك ظلم داخلي فالنصر بعيد عنا كثيراً ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، والله لا أتمنى أن أذكرهم بخير ، ولكنني مضطر أحياناً أن أبين الفرق بين ما عندنا وما عندهم ، المعلومات في الدعوة أقل ما فيها ، والقلب الكبير في محبة الآخرين ، والإنصاف ، والتلطف ، والحلم ، والرحمة ، والانتماء ، هؤلاء أهلك ، هؤلاء المسلمون أهلك ، بدل أن تستعلي عليهم ، وأن تزدريهم عاونهم ، بدل أن تلعن الظلام ألف مرة أوقد شمعة واحدة قدم شيئا ، قدم شيئًا لهذه الأمة بدل أن تلعن الظلام .
هذا الحديث على إيجازه جامع ومانع ، وأبعاده عميقة جداً ، وكلمة اللعانون اسم مختصر لمن له صفة القنص ، والنقد ، والازدراء ، والتعليق ، والفضيحة ، والاتهام ، والاستعلاء مجموع هذه الصفات اللعانون ، (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، شفعاء بعمله الصالح ، ولا شهداء للآخرين يوم القيامة ، تسقط أهليته ، تفقد أهليتهم .
مرة ثانية أيها الإخوة الكرام ، أقول لكم من أعماقي : هذا الدين لا يدخل الناس فيه أفواجاً بفصاحتك ، ولا بكلامك ، ولا بروعة بيانك ، يدخل الناس فيه أفواجاً بمعاملتك ، وأنا أؤكد لكم هذا المعنى الدقيق ، ما الذي يشدك إلى الله سؤال ؟ أنت مشدود إلى الدين ، الدليل تصلي ، والدليل تعبد الله ، تصوم رمضان ، تحج البيت ، تأتي إلى الدرس ، تقرأ القرآن ، تغض البصر ، تضبط اللسان ، ترحم ، تنفق من مالك ، أسألك : ما الذي يشدك إلى الدين ؟ ستقول لي بشكل سريع : الدين عظيم ، الدين قدم تفسيراً للإنسان ، تفسيراً كاملاً ، تفسيراً عميقاً ، تفسيراً متناسقاً ، أنا أقول لك : لا ، هذا لا يكفي ، مهما كان الدين عظيماً من حيث الفكر والعمق والتصور والشرح ، مهما كان هذا الدين عظيماً والإنسان أحياناً يدخن ، وهو طبيب ، يحدثك عشر ساعات عن مضار التدخين ، كيف تفسر ذلك ؟ لا تكفي قناعاتك أن تحملك على سلوك معين ، أقول لك : الذي يشد الناس إلى الدين معاملة الله للإنسان .
معمل من معامل جاء إنسان وطلب بضاعة ، لا أدخل في التفاصيل ، البضاعة ربح المعمل منها تقريباً ربع مليون ليرة ، ثم علم صاحب المعمل أن هذه المسكة من أجل علبة خمر غالٍ جداً ، له علبة ، العلبة تحتاج إلى مسكة بلاستيك ، طبعاً صاحب المعمل أخ من إخواننا الكرام ، رفض فوراً ، ما ترك وسيلة ، رفض قطعًا ، الآن هناك مشكلة مع أبيه ، الأب أنت ما دخلك ، أنت تعطي شيئاً مشروعاً ، القصة طويلة ، تم الرفض الكلي ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، والله بعد شهرين ويومين جاءت صفقة مئة ضعف ، وحلال .
أيها الإخوة الكرام ، هناك مقولة : أنا مؤمن بها بكل حرف منها ، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
إن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
أنا أقول لك : مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تدع شيئاً لله ، ثم لا تجد ما يكافئ هذا العمل البطولي ، مستحيل ، لكن قال لي مرة شخص : أنا كنت جاهلاً ، وأبيع مادة محرمة بمطعم ربع قرن ، ودخلي فلكي ، متعاقد مع شركات كثيرة بأسعار خيالية ، لكن لما تاب إلى الله ، وأوقف الخمر الشركات كلها أوقفت عقودها معه ، شركات أجنبية ، والزبائن المتفلتون انصرفوا عنه ، والدخل هبط إلى واحد من خمسين ، أقول لكم هذه الفكرة الدقيقة : لما تتخذ قراراً بطولياً فلا بد من أن تدفع ثمنه ، لأنك إن لم تدفع ثمنه فلا يعد بطولياً ، لو أن إنسانًا ألغى الخمر من مطعمه ، وثاني يوم تضاعفت الغلة يلغيها المدمنون عن الخمر ، حتى يضاعفوا الغلة ، يحب الله ، يدفعك ثمن القرار إلى حين فقط ، الدليل قال تعالى :
[ سورة التوبة : 28]
ما الذي سيحصل ؟ توقفت السياحة ، لا يوجد سياح ، الفنادق فارغة ، المطاعم فارغة ، هذا منطق العصر الآن ، قال تعالى :
[ سورة التوبة : 28]
يعني فقراً ، لكن هناك سوف ، معنى سوف بعد حين ، في مرحلة لا بد منها ، لابد من أن تدفع الثمن ، فإذا علم الله منك صدقاً وإصراراً وورعاً واستسلاماً لله يغنيك بعدئذ .
رجل عنده مطعم يبيع فيه الخمر ، ذهب إلى الحج ، وتاب ، وألغى بيع الخمر ، الغلة هبطت إلى العشر ، فأعاد بيع الخمر ، ومات بعد اثني عشر يوماً من نكسته ، ولقي الله بائع خمر ، فلذلك إذا جاء الإنسان دخل كبير من معصية ، وتركها فلا يطمع في مدى سريع جداً أن يعوض الله عليه ، لا ، يجب أن يؤهل نفسه بدفع ثمن هذا القرار البطولي ، قال تعالى :
[ سورة التوبة : 28]
ليس الآن ، حينما يعلم الله منك صدقاً وإصراراً على طاعته عندئذ يغنيك من فضله .
(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
هناك كلمة ، إنسان تكلم كلمة دقيقة جداً ، أنا والله مؤمن بها بكل ما في مشاعري وإدراكي ، الإنسان يظن الحب له مرحلة أولى ، وينتهي ، هذا كلام يقوله الأزواج ، في أثناء الخطبة المكالمة ست ساعات على الهاتف ، لكن بلغني أن واحدًا حدث خطيبته ثلاث عشر ساعة متوالية ، هذا رقم أولمبي ، أعلى رقم ثلاث عشرة ساعة على الهاتف ، بعد الزواج بسنتين يأتي إلى البيت تجر منه الكلمة جراً ، لا يتكلم ، شيء طبيعي ، فدائماً يقول لك : انتهى الحب ، علاقة روتينية ، علاقة رتيبة ، ليس لها معنى ، ملل ، سأم ، ضجر ، أو بتعبير آخر ختمتها وختمتني ، كل إنسان عنده قصة يحكيها وانتهى ، هذه نعاني منها في التدريس ، كنا في الجامعة طلابًا يأتي الدكتور عنده أشياء جميلة جداً ، بعد شهور تنتهي ، وانتهى ، ختمناه ، أما الجواب فعكس ذلك ، الحب يصنع صناعة ، أنت تستطيع لو مضى على زواج ثلاثين سنة أن تدخل بالمودة والرحمة والمعاونة ، والابتسامة والاعتذار أحياناً ، والخدمة ، الحب يبقى كما هو عليه ، لكن ليس بالحالة الحادة كأيام الخطبة ، هذه ليست معقولة ، لو أن الأمر كذلك لا ترى شيئاً في الحياة ، تقف الحياة .
قال لي مرة أخ : عندي سؤال لي ، أنا في حرج أن أسألك إياه ، قلت له : تفضل ، قال : ما الحكمة إذا كان الزوجة ليست جيدة ؟ قلت له : حتى أراك في المسجد ، ما كنا نراك إذا كانت جيدة ، كنت وضعتها ، وجلست ، في أشياء وسط ، هناك حكمة بالغة ، لذلك لما يتعرف الإنسان إلى الله كل شيء ليس له فيه اختيار لصالحه ، إذا أنت لم تكن لعاناً لا سمح الله ولا قدر يقابل اللعن الحب ، يمكن أن تحب من حولك ، والحب تصنعه أنت بخدمتك الصادقة ، بابتسامتك ، بتواضعك ، بإخلاصك ، الناس يألفون ، ذلك الحب يسري كما تسري النفس في شيء بعيد ، لو فرضنا إنسانًا في موسم الحج يأتيه هاتف ، حصلنا لك على الفيزا ، يضع السماعة على الهاتف صار في الحج ، دخل في عالم الحج ، يهيئ أغراضه وحاجاته ، ويؤمن من يحل محله في غيابه ، الإنسان أحيانا تسري نفسه إلى طرف آخر في العالم ، إذا كان له ابن هناك ، وأحب أن يسافر إليه صارت نفسه كلها ممتلئة بمشاعر السفر ، والوصل إلى ابنه مثلاً .
لذلك أيها الإخوة الكرام ، إذا ما كان الإنسان لعان ماذا يقابل ؟ أن يكون محباً ، الحب تصنعه أنت .
أنا أتمنى أيها الإخوة الكرام أن يكون كل بيت جنة ، بإمكانك أن تفعل بأي ظرف ، بيت صغير ، كبير ، عال ، منخفض ، أجرة ، ملك ، زوجة وسط ، شاطحة ، درجاتها مئة ، تسعون ، خمسون ، أربعون ، ممكن أن تصنع الحب بيدك ، بابتسامتك ، بإلقاء السلام ، بالصدق ، بالخدمة ، بالعطف ، بالمحبة ، بالإكرام ، تصنع الحب ، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ورزقني حبها ، السيدة خديشة ، رزقني ، يعني رزق الإنسان حبّ حليلته ، ، متى المصيبة ؟ أن يحب امرأة لا تحل له ، ويتعلق بامرأة لا تحل له ، أما إذا أحب زوجته فهذا إنجاز كبير ، يحتاج إلى دقة ، وإلى تطبيق السنة ، هل فيك أن تحب الطلاب ؟ نعم أنت حينما تحبهم يحبونك ، هل لك أن تحب من حولك في العمل ؟ نعم أنت حينما تحبهم يحبونك ، الكلام الدقيق يصنع بأيدينا ، وليست القضية غيبية ، ضبابية ، يهبهم الله لمن يشاء ، لا أنت بانضباطك تحب وتحب .
مرة كان لنا أستاذ بعلم النفس من أكبر المدرسين ، وله سمعة في الشرق الأوسط ، تقاعد ، ولمرة واحدة جامعة دمشق وكلية التربية التي كنت فيها أقيم حفل وداع كبير لهذا الأستاذ ، فألقيت كلمات كثيرة ، وقام ، وألقى كلمة ، قال : الإنسان الذي لا يشعر بحاجة إلى أن يحب أو يحب فليس من بني البشر .
يجب أن تشعر بحاجة إلى أن تحب الناس ، وإلى أن يحبوك ، في حالات بالحب كان الصحابة الكرام إذا مشى اثنان وفرقت بينهما شجرة يسلمان على بعضهما بعد الشجرة ، واشوقاه لفلان ، البارحة العشاء كنت معه ، الفجر سلم عليه ، وقال له : وا شوقاه إليك ، هذا الحب أنت حينما تحب الناس يحبك الناس ، تحب زوجتك ، تحبك زوجتك ، تحب أولادك ، يحبك أولادك ، تحب جيرانك ، يحبك جيرانك ، هذه عملية متداخلة ، تأكد : مستحيل أن تحب إنساناً ، ولا يحبك ، أو مستحيل يحبك إنسان ، ولا تحبه ، الدليل : عوضاً عن اللعن والنقد والحقد والكراهية ، والفضيحة والتشهير ، والقنص واللمز ، الحب ، فلذلك أيها الإخوة الكرام ، كلمتان خفيفتان على اللسان ، الحب يصنع صناعة ، بإمكانك أن تحب كل من حولك ، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم بأخلاقكم ، الابتسامة صدقة ، وطلاقة الوجه صدقة ، والإكرام والهدية ، والنبي قال : تهادوا تحابوا ، أفشوا السلام بينكم ، ممكن أن يكون الحب أساسه إفشاء السلام ، والهدية والدعوة والخدمة ، والنصيحة لا الفضيحة .
أنا جعلت هذا الدرس إن شاء الله حول النموذج اللعان ، القناص ، المنتقد ، القاسي الذي يغمز ، ويلمز ، ويشهر ، ويفضح ، هذا لا يشم رائحة الدعوة إلى الله ، ولا يشم رائحة العمل الصالح ، هو مرفوض عند الناس ، أما الذي يحب الناس ، لأنه يحب الله ، لأن هؤلاء عباده ، الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله .
وكنت أقول دائماً : الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، وشتان بين أن تملك القلب ، وبين أن تملك الرقبة فرق كبير ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، أهرامات مصر قليلة ، مئة مئات الألوف من أجل أن يكون الهرم قبرًا لإنسان ، الهرم قبر ، الأنبياء يمدحون في غيبتهم ، والأقوياء في حضرتهم .
أيها الإخوة الكرام ، والناس جميعاً أتباع نبي أو قوي ، أتباع الأنبياء رأسمالهم أخلاقهم العالية كمالاتهم تملك الصدق ، والأمانة ، والرحمة ، واللطف ، والتواضع ، والأقوياء أسباب قوتهم دفتر الضبط الذي مع الشرطي ، هذا معه صلاحية معه قوة .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون هكذا محبين بعيدين عن اللعن والانتقاد .
والحمد لله رب العالمين
about ... me- رئيس المنتدى
- عدد المساهمات : 123
نقاط : 1006855
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/05/2010
العمر : 34
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى