أدب التواضع في الأكل ثم حمد الله على نعمه
صفحة 1 من اصل 1
أدب التواضع في الأكل ثم حمد الله على نعمه
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
عن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة ، غُفِر له ما تقدَّمَ من ذنبهِ وَمَا تَأَخَّرَ)) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
الإنسان كما تكلمنا في الدرس السابق حينما يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، أي هذا الطعام صنع بسم الله ، وليس في الأرض كلها قوة يمكن أن تصنع هذا الطعام ، وأن ثمن الطعام هو ثمن خدمته ، فحينما تعلم أن هذا الطعام خُلق خصيصاً لك ، ما هذه العلاقة المذهلة بين تركيب الطعام وتركيب جسم الإنسان ؟ الحليب غذاء كامل للإنسان ، القمح غذاء كامل ، ما العلاقة بين هذا الطعام وبين جسم الإنسان ؟ هذه البقرة التي تصنع الحليب ، أو تعطي الحليب إنما تعطيه بسم الله ، هذه الغدة الثديية في البقرة ، يجول في أعلاها أوعية دموية كثيفة جداً ، تختار هذه الغدة من هذه الدماء البروتينات ، الشحوم ، المواد الدسمة ، والفيتامينات ، والسكريات بنسب دقيقة جداً ، وتصنع منها الحليب ، ولا تعلم هي ما تعمل ، فإذا شربت كأس حليب بسم الله ، وإذا علمت هذا الطعام ، هذا الماء ، والحليب ، وأنواع الخضار والفواكه إنما صنعت بسم الله .
إذاً :
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة )) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
ماذا يفعل المزارع ؟ يضع البذرة في الأرض ويسقيها ، أما هذه البذرة كيف انشقت ؟ وكيف اتجهت نحو الأعلى ؟ وكيف نما لها الجذير ؟ وكيف نما السويق ؟ وكيف ظهرت الأوراق ؟ وكيف اشتد عودها ؟ وكيف أزهرت ، ثم أورقت ، ثم أينعت ؟ ومن صمم هذه الفاكهة ؟ من أعطاها لونها ، وحجمها ، وقوامها ، وطعهما ، ولونها ، وشكلها ؟ من جعلها متوافقة مع الإنسان ؟ من جعل هضمها سهلاً في معدة الإنسان ؟ الله جلّ جلاله .
كلما تناولت لقمة يجب أن تعلم أن هذا الطعام صنع بسم الله ، وأنه صنع خصيصاً لك ، إذاً :
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة )) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
هذا معنى قوله تعالى :
( سورة المعارج ) .
أي هو يصلي دائماً ، يصلي الصلوات الخمس ، وما بين الصلوات إن أكل طعاماً شكر الله ، وإن شرب الماء شكر الله ، وإن خرج من بيته شكر الله ، وإن دخل إلى دورة المياه وأفرغ ما في مثانته شكر الله ، هذا الشكر الدائم ضمان لبقاء النعم ، إن أردت أن تبقى هذه النعم ، هذا معنى دعاء النبي :
(( ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا )) .
لاحظ أنت المتاعب التي لا تحتمل ، لو أن هذه المثانة سُدت ، إدخال وتفريغ المثانة ، والتخدير ، والعملية ، لو أن هذه الكلية ضعُف عملها ، لو أصيب الإنسان بفشل كلوي لأصبحت حياته جحيماً ، عنده غسيل ، في كل أسبوع مرتان ، غير النفقات ، غير ضياع الأوقات والآلام ، إذا الإنسان أفرغ مثانته وقال : الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأبقى لي ما ينفعني ، دائماً هناك صلة بالله ، عمل الأجهزة معقد جداً ، المعجزة أن تكون سليماً ، هذه المعجزة ، يقول لك : مليون نترون بالكلية ، الطريق طوله مئة كم ، يقطعه الدم في النهار خمس مرات ، هذه الكلية أخطر من أي جهاز آخر ، لو تعطلت لأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق .
مرة النبي صلى الله عليه و سلم ، علمنا بالدعاء إذا أكل طعاماً كان يقول :
(( الحمد لله الذي أذاقني لذته ، وأبقى في قوته ، وأذهب عني أذاه )) .
[ ابن السني عن ابن عمر] .
الطعام له لذة ، وله قوة ، وله فضلات ، فاللذة أذاقك الله إياها ، والقوة متعك الله بها ، والفضلات صرفها عنك ، فعليك شكر الله على هذا الجسد بما فيه من أعضاء وأجهزة طول الحياة .
هذه الصلاة الدائمة ، أنت مع الله دائماً ، مع الله إذا آويت إلى فراشك ، النوم نعمة .
لنا أخ ـ شفاه الله و عافاه ـ إن كان يملك مئة مليون كان سيدفعهم نظير أن ينام فقط ، لا ينام ، لم يدع طبيباً ، و لم يدع طريقة ، أبداً ، قلت له : امشِ ، يمشي لا ينام ، هل هذا كإنسان يستلقي على الفراش و ينام بسرعة ؟ هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها ، فالنوم نعمة .
تتحرك نعمة ، تخدم نفسك نعمة ، فالصلاة الدائمة أن تشكر الله على نعمه ، فإن شكرته على نعمه هذه النعمة لن تزول عنك ، وبالشكر تدوم النعم .
(( إنك إذا ما ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني )) .
[ الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة] .
لاحظ شرب الماء نعمة ، أحياناً خروج الفضلات نعمة ، أن تذوق طعم الطعام نعمة ، هناك أشخاص على السيروم دائماً ، ملقى على السرير في مستشفى ، سيروم ، لا يستطيع أن يشرب كأس شاي ، أو فنجان قهوة .
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة ، غُفِر له ما تقدَّمَ من ذنبهِ )) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
سمعت قصة قديمة جداً ، في الشام في العهد العثماني كان هناك والي ، وله مدير أعمال ، و كان مقر هذا الوالي بالمرجة ، دخل مدير الأعمال إلى غرفة الوالي فوجده واقفاً على النافذة ، ودمعة تنحدر من عينيه ، سأله عن سبب بكائه ؟ فقال له : تعال وانظر ، كان هناك إنسان ريفي يريد أن يرى ابنه المسجون في البناء نفسه ، يبدو أنه لم يستطع ذلك ، فجلس و أخرج صرة فيها خبز مع رأس بصل ، وأكل خبزة وبصلة بنهم شديد ، قال له : أتمنى أن آكل كما يأكل هذا الريفي ، وأن أتخلى عن كل هذا المنصب ، وعن كل هذه المظاهر ، يبدو أن هذا الوالي كان محروماً من الطعام لسبب مرضي أو عنده مشكلة ما .
فأحياناً الإنسان يأكل صحن فول ، صحن حمص ، كأس شاي مع قطعة جبنة ، صحته طيبة ويأكلها ، يستمتع بها ، هذه أيضاً نعمة كبيرة جداً .
هناك شخص محروم الطعام والشراب ، حمية دائمة ، مشكلات دائمة ، لا تنسى نعم الله عز وجل ، دائماً علم نفسك ألا تبحث عن الذي ينقصك ، ابحث عما عندك ، هذا العلم النفسي اسمه " تفاؤل " ، صحة نفسية ، وهناك إنسان متشائم ، المتفائل دائماً يشكر ما عنده من نعم ، والمتشائم يبحث عن النقص ، لا يملك سيارة ، بيته ليس ملكه مثلاً ، عنده بنات فقط، المتشائم ، والسوداوي ، والشقي هو الذي يبحث عن النواقص دائماً ، أما المؤمن الصادق يبحث عما عنده ، عنده نعم لا تعد ولا تحصى ، ولو أمضى حياته كلها في شكرها لما وفى هذا الشكر ، وأكبر نعمة الله خلقك ، أنت موجود ، هذه نعمة الإيجاد ، لماذا خلقك ؟
( سورة هود الآية : 119 ) .
السيارة لماذا صُنعت بالأساس ؟ لماذا هذا المعمل صنع السيارة ؟ من أجل أن تمشي ، لا يوجد إنسان يشتري سيارة يوقفها بمكان ويتأمل فيها ، يركبها ويمشي بها ، لكن السيارة فيها مكابح ، المكابح تتناقض مع سبب صنعها ، المكبح يتناقض مع السير ، لكن هذا المكبح لسلامتها ، هو وإن تناقض معها إلا أنه لسلامتها .
الحديث الثاني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( الذي يشرب في إناء الفضة يجرجر في بطنه نار جهنم )) .
[ متفق عليه عن أم سلمة] .
آنية من الفضة الخالصة ، آنية من الذهب ، ملاعق من الفضة الخالصة ، إن الذي يأكل ويشرب ، ومن شرب من إناء من ذهب أو فضة ، هذه روايات الحديث ، لذلك من المحرمات والنبي يقول :
(( الذي يشرب في إناء الفضة يجرجر في بطنه نار جهنم )) .
[ متفق عليه عن أم سلمة] .
أولاً : فيها كبر ، ثانياً : فيها استعلاء ، ثالثاً : فيها بذخ ، فيها استهلاك للمال ، لأن الفضة هي نقد ، مثلاً عملنا مجسماً بساحة عامة ، وأتينا بخمسين أو ستين ملياراً ، ولصقناها سوية ، بعد ذلك قمنا بدهنهم ، فالستين ملياراً لو كانوا بين أيدي الناس ، وأصبحوا نقداً متداولاً لحلوا مليون مشكلة ، أنشئت معامل ، أنشئت مزارع ، أنشئت مدارس ، نحن جمدناهم بمجسم جمالي ، هذا خطأ كبير ، هذا الورق من أجل التداول ، لا من أجل الزينة ، فالفضة والذهب نقد .
أنا لم أكن أعرف قيمة الذهب ، حتى قرأت مقالة عن باخرة بين أوربا وأمريكا ، غرقت في عمق البحر ، محملة بخمسة طن من سبائك الذهب ، قبل سنوات ، الباخرة غرقت من ثمانين أو تسعين سنة فبعد أن أخرجوها بدا الذهب كأنه مصبوب الآن ، ثمانون سنة بقاع البحر ، ومياه مالحة ، ما معنى معدن نفيس ؟ أي لا يتأثر لا بالرطوبة ، ولا بالماء، ولا بالعوامل الجوية ، ولا بالأملاح ، هذا الذهب مغسول كأنه الآن مصبوب .
الله جعل الذهب والفضة معادن ثمينة لتكون قيماً للأشياء فأنت بهذا جمدته ، يمكن أن تستعمل المرأة الحلي ، أما جمدته بأدوات كان من الممكن أن تكون في مجال آخر ، هذا فيه كبر ، وفيه استهلاك ، وفيه استعلاء ، و فيه زهو ، وفيه نوع من البذخ ، هذا الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام .
وعن حذيفة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( لا تَلْبَسُوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ ، ولا تَشْرَبوا في آنيةِ الذهب والفِضَّة ، ولا تأكلوا في صِحافها ، فإنَّها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة )) .
[ متفق عليه عن حذيفة] .
طبعاً نريد أن نفرق بين الآنية المفضضة ، والآنية التي من الفضة ، من فضة أي خالصة ، أما المفضضة العلماء أعطوا بعض الإجازة مع الكراهة ، تكون آنية مفضضة أي مطلية بالفضة .
قال لي شخص : ما الطريقة لنعرفها ؟ قلت : من سعرها ، إذا كان سعر الصينية يساوي سعر الفضة الخالصة زائد تصنيعها تكون من الفضة ، أما إذا كان واحد بالمئة من وزن الصينية معناها مفضضة ، إذاً :
(( لا تَلْبَسُوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ ، ولا تَشْرَبوا في آنيةِ الذهب والفِضَّة ، ولا تأكلوا في صِحافها ، فإنَّها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة )) .
[ متفق عليه عن حذيفة] .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا يأكلنَّ أحدُ منكم بشِِمالِه ، ولا يشربَنَّ بها ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشربُ بها ، قال : وكان نافع يزيد فيها : ولا يأخذُ بها ، ولا يُعطي بها )) .
[ رواه مسلم عن ابن عمر ] .
لا تأكل ، ولا تشرب ، ولا تأخذ ، ولا تعطي بشمالك ، هذه من السنة ، اليمين للأكل ، والشرب ، والعطاء ، والأخذ ، والشمال لقضاء الحاجة ، وتنظيف الجسم .
و للنبي الكريم كثير من التوجيهات في السنة أساسها توجيه صحي ، هذه اليد مكرمة ، اليد اليمين ، مكرمة ، مقدسة ، تأخذ ، وتعطي ، وتأكل ، وتشرب .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنفَّس في الإناء )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس] .
وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه ثبت الآن أن هناك نوعاً من العدوى تتم عن طريق التنفس ، فالإنسان إذا شرب كأس الماء ، وأراد أن يجعل الشرب ثلاثاً ينبغي أن يجعل الإناء بعيداً عن فمه ، لأن هناك حالات قليلة هواء الزفير إذا امتزج مع الماء نقلت بعض الأمراض ، فكان صلى الله عليه وسلم :
(( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنفَّس في الإناء أَو يُنفخَ فيه )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس] .
مرة قرأت أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أكل التمر من طبق ـ طبعاً أمسك التمرة ، وضعها في فمه ، فلما أكلها كاد أن يخرج النواة ، ويمسكها بيده ، ويضعها على الطبق ، ثم أراد أن يأكل تمرة ثانية ، فلامس لعابه التمرة الثانية ، لو أنه أمسكها فرآها قاسية، فتركها إلى غيرها ، ما الذي حصل ؟ لعاب الإنسان وصل إلى هذه التمرة ولم يأكلها ، أكلها غيره ـ كان عليه الصلاة والسلام إذا أكل التمر وضع النواة على ظاهر إصبعيه ، يجمع أصابعه الثلاثة يضع النواة هنا لتبقى باطن إصبعيه جافة ، ولو أكل تمرة أو اثنتين أو ثلاث لا ينتقل لعابه إلى الطبق ، هذه قد لا ينتبه لها أحد ، لو إنسان أكل التمر ، وأخرج النواة ، وأمسكها ، طبعاً النواة لامست لعابه ، وأصابعه لامست النواة ، ثم أمسك بعض التمر وضع يده على واحدة وجدها قاسية تركها وأخذ الثانية .
فهذه النقطة انتبه لها النبي عليه الصلاة والسلام ، كان في أعلى درجة من الذوق، أعلى درجة من الرقة ، قيل له : ما هذا الأدب ؟ قال :
(( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) .
[ابن السمعاني في أدب الإملاء عن ابن مسعود] .
أحياناً الإنسان يأكل البطيخ بعد أن ينحته ويتركه بشكل منفر ، كان عليه الصلاة والسلام إذا أكل البطيخ وضع الحز على ظهره ، منظره أجمل ، إذاً يوجد عدد كبير من الطرق في الأكل فيها لطف ، فيها أدب ، فيها ذوق .
إذاً :
(( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنفَّس في الإناء أَو يُنفخَ فيه )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس] .
(( نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَشربَ من فيِّ السِّقاءِ )) .
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ] .
من فم الإبريق ، مثل الآن يوجد كأس للشرب ، ويوجد إبريق ماء ، و لكن هناك شخص يشرب من الإبريق مباشرة هذا منهي عنه ، أيضاً إذا إناء فيه ثلمة ، كان ينهى أن يستعمل ، لأن هذه الثلمة فيها جراثيم ـ الإناء المشعور ـ فالإناء ما دام فيه شق هذا يحمل الجراثيم .
قال لي أخ كان يعمل بمعمل أدوية ـ هو وكيل شركة أجنبية ، معه امتياز ـ قام ببناء معمل له ، فعندما أراد أن يأخذ مواد أولية ويصنع ، جاءت الشركة لتفحص البناء ، و إذ بالبناء لا يناسب ، ما المشكلة ؟ البناء درجة أولى و قد رأيته أنا ، قال : يجب ألا يكون به أي حدٍّ هكذا ، فالبناء كله خطوط منحنية ، و الجراثيم تقعد بالأماكن الحادة ، فاضطر أن يغير كل هذه الحدود ، والزوايا القائمة التغت و صارت زوايا منحنية ، بالسقف ، وبالأرض ، وبالأطراف ، وبالممرات ، البناء كله أصبح زوايا منحنية ، لا زوايا قائمة ، الجراثيم لا تجد مكاناً ترتاح فيه إلا هذه الأماكن الحرجة .
فلذلك هذا شيء حديث جداً ، الإناء إذا فيه كسر ، أو شق ، الجراثيم تعشش في هذا المكان ، و أيضاً إناء فيه ثلمة نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يستعمل .
آخر حديث ، عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال :
(( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قَصْعةُ يقال لها : الغرَّاءُ ، يَحملها أربعة رجال ، فلما أضْحَوْا وسجدوا الضحى ، أُتِيَ بتلك القصعة وقد ثُِرد فيها ـ فيها طعام فيه مرقة ـ فالتَفَّوا عليها ، فلما كثروا ، جَثى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له أعرابيُّ : ما هذه الجِلسةِ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اللَّه جَعلني عبداً كريماً ، ولم يجعلنى جَّباراً عنيداً )) .
[ رواه أبو داود عن عبد الله بن بسر] .
أي جلس جلسة العبد ، والله حدثني شخص قال لي : والله كنت أحضر وليمة ـ أقسم بالله ، وهو عندي صادق ـ بالخليج ، أمير كبار الأمراء ، دعا عشرة أشخاص ، و أحضر منسفاً يحمله اثنا عشر رجلاً ، عليه جمل مكتف ومحشو لحم وفستق ، وعليه خروف مكتف ، قال لي : هذا المنسف يطعم ألف شخص ، هو لعشرة أشخاص ! أي أكلوا واحد من مليون منه ، بعدما انتهوا الأمير غسل فوقه ، قال لي : أنا لم أتحمل ، فسألته بأدب : هل من المعقول ألا يوجد من يأكل هذا الأكل ؟ قال له : لا أحد يأكل بعدي .
النبي صلى الله عليه و سلم جلس أمام هذا المنسف جلسة العبد :
(( فقال له أعرابيُّ : ما هذه الجِلسةِ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اللَّه جَعلني عبداً كريماً ، ولم يجعلنى جَّباراً عنيداً )) .
[ رواه أبو داود عن عبد الله بن بسر] .
ثم قال عليه الصلاة والسلام :
(( كلوا من جوانبها ، ودَعُوا ذِرْوَتها يبارَكْ فيها )) .
هذا أدب بالطعام ، تأكل من أطرافها ، أما رأس الطعام ، وجه الطعام ، هذا دعه، كُلْ من أطراف الطعام ، هذه السنة .
(( كلوا من جوانبها ، ودَعُوا ذِرْوَتها يبارَكْ فيها )) .
و في رواية ثانية :
(( البَرَكةُ تَنْزِلُ وسط الطعام ، فكلوا من حافَّتَيْه ولا تأكلوا من وسَطه )) .
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ] .
وفي رواية ثالثة :
(( إذا أكل أحدُكم طعاماً فلا يأكُلْ من أعلى الصَّحْفة ، ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها )) .
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ] .
إذاً ملخص الدرس : الأكل من أطراف الصحن ، والإناء ينبغي ألا تشرب من فمه ، وألا تنفخ فيه ، وأن تبعده عن فيك ، وعدم استعمال الحرير والديباج ، ولا آنية الذهب ولا الفضة ، وإذا أكلت الطعام فاحمد الله عز وجل ، وقل : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام .
أنا كلما أجلس لطعام ، وأكون بدعوة بوليمة ، أتذكر قول سيدنا عمر ، قال :
" ما عندك يا أم كلثوم ؟ ـ عنده ضيف من أذربيجان ، ضيف مهم جداً ـ قالت له : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، قال : هاتيه لنا " .
خبز وملح ، انظر ولائم الناس ، الفواكه ، الشراب ، الحلويات ، الفتات ، الشوربات ، الكبسة ، الكبة ، البرك .
" قالت له : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، قال : هاتيه لنا ، بعد أن أكل قال : الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني ، وأسقاني فأرواني " .
سيدنا عمر عملاق الإسلام ، خليفة المسلمين ، عنده بالبيت خبز وملح ، لابأس ، أما الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني ، وأسقاني فأرواني ؟!
لذلك أخواننا الكرام ، وبالشكر تدوم النعم ، أنت اجهد أن تشكر ما عندك ، ولا تبحث عن الذي ينقصك ، الله عز وجل قال في الأثر القدسي :
(( ابن آدم كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك )) .
[ ورد في الأثر ] .
و الحمد لله رب العالمين
عن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة ، غُفِر له ما تقدَّمَ من ذنبهِ وَمَا تَأَخَّرَ)) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
الإنسان كما تكلمنا في الدرس السابق حينما يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، أي هذا الطعام صنع بسم الله ، وليس في الأرض كلها قوة يمكن أن تصنع هذا الطعام ، وأن ثمن الطعام هو ثمن خدمته ، فحينما تعلم أن هذا الطعام خُلق خصيصاً لك ، ما هذه العلاقة المذهلة بين تركيب الطعام وتركيب جسم الإنسان ؟ الحليب غذاء كامل للإنسان ، القمح غذاء كامل ، ما العلاقة بين هذا الطعام وبين جسم الإنسان ؟ هذه البقرة التي تصنع الحليب ، أو تعطي الحليب إنما تعطيه بسم الله ، هذه الغدة الثديية في البقرة ، يجول في أعلاها أوعية دموية كثيفة جداً ، تختار هذه الغدة من هذه الدماء البروتينات ، الشحوم ، المواد الدسمة ، والفيتامينات ، والسكريات بنسب دقيقة جداً ، وتصنع منها الحليب ، ولا تعلم هي ما تعمل ، فإذا شربت كأس حليب بسم الله ، وإذا علمت هذا الطعام ، هذا الماء ، والحليب ، وأنواع الخضار والفواكه إنما صنعت بسم الله .
إذاً :
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة )) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
ماذا يفعل المزارع ؟ يضع البذرة في الأرض ويسقيها ، أما هذه البذرة كيف انشقت ؟ وكيف اتجهت نحو الأعلى ؟ وكيف نما لها الجذير ؟ وكيف نما السويق ؟ وكيف ظهرت الأوراق ؟ وكيف اشتد عودها ؟ وكيف أزهرت ، ثم أورقت ، ثم أينعت ؟ ومن صمم هذه الفاكهة ؟ من أعطاها لونها ، وحجمها ، وقوامها ، وطعهما ، ولونها ، وشكلها ؟ من جعلها متوافقة مع الإنسان ؟ من جعل هضمها سهلاً في معدة الإنسان ؟ الله جلّ جلاله .
كلما تناولت لقمة يجب أن تعلم أن هذا الطعام صنع بسم الله ، وأنه صنع خصيصاً لك ، إذاً :
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة )) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
هذا معنى قوله تعالى :
( سورة المعارج ) .
أي هو يصلي دائماً ، يصلي الصلوات الخمس ، وما بين الصلوات إن أكل طعاماً شكر الله ، وإن شرب الماء شكر الله ، وإن خرج من بيته شكر الله ، وإن دخل إلى دورة المياه وأفرغ ما في مثانته شكر الله ، هذا الشكر الدائم ضمان لبقاء النعم ، إن أردت أن تبقى هذه النعم ، هذا معنى دعاء النبي :
(( ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا )) .
لاحظ أنت المتاعب التي لا تحتمل ، لو أن هذه المثانة سُدت ، إدخال وتفريغ المثانة ، والتخدير ، والعملية ، لو أن هذه الكلية ضعُف عملها ، لو أصيب الإنسان بفشل كلوي لأصبحت حياته جحيماً ، عنده غسيل ، في كل أسبوع مرتان ، غير النفقات ، غير ضياع الأوقات والآلام ، إذا الإنسان أفرغ مثانته وقال : الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأبقى لي ما ينفعني ، دائماً هناك صلة بالله ، عمل الأجهزة معقد جداً ، المعجزة أن تكون سليماً ، هذه المعجزة ، يقول لك : مليون نترون بالكلية ، الطريق طوله مئة كم ، يقطعه الدم في النهار خمس مرات ، هذه الكلية أخطر من أي جهاز آخر ، لو تعطلت لأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق .
مرة النبي صلى الله عليه و سلم ، علمنا بالدعاء إذا أكل طعاماً كان يقول :
(( الحمد لله الذي أذاقني لذته ، وأبقى في قوته ، وأذهب عني أذاه )) .
[ ابن السني عن ابن عمر] .
الطعام له لذة ، وله قوة ، وله فضلات ، فاللذة أذاقك الله إياها ، والقوة متعك الله بها ، والفضلات صرفها عنك ، فعليك شكر الله على هذا الجسد بما فيه من أعضاء وأجهزة طول الحياة .
هذه الصلاة الدائمة ، أنت مع الله دائماً ، مع الله إذا آويت إلى فراشك ، النوم نعمة .
لنا أخ ـ شفاه الله و عافاه ـ إن كان يملك مئة مليون كان سيدفعهم نظير أن ينام فقط ، لا ينام ، لم يدع طبيباً ، و لم يدع طريقة ، أبداً ، قلت له : امشِ ، يمشي لا ينام ، هل هذا كإنسان يستلقي على الفراش و ينام بسرعة ؟ هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها ، فالنوم نعمة .
تتحرك نعمة ، تخدم نفسك نعمة ، فالصلاة الدائمة أن تشكر الله على نعمه ، فإن شكرته على نعمه هذه النعمة لن تزول عنك ، وبالشكر تدوم النعم .
(( إنك إذا ما ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني )) .
[ الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة] .
لاحظ شرب الماء نعمة ، أحياناً خروج الفضلات نعمة ، أن تذوق طعم الطعام نعمة ، هناك أشخاص على السيروم دائماً ، ملقى على السرير في مستشفى ، سيروم ، لا يستطيع أن يشرب كأس شاي ، أو فنجان قهوة .
(( مَنْ أكل طعاماً ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعامَ ، ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة ، غُفِر له ما تقدَّمَ من ذنبهِ )) .
[ أبو داود عن أنس عن أبيه ] .
سمعت قصة قديمة جداً ، في الشام في العهد العثماني كان هناك والي ، وله مدير أعمال ، و كان مقر هذا الوالي بالمرجة ، دخل مدير الأعمال إلى غرفة الوالي فوجده واقفاً على النافذة ، ودمعة تنحدر من عينيه ، سأله عن سبب بكائه ؟ فقال له : تعال وانظر ، كان هناك إنسان ريفي يريد أن يرى ابنه المسجون في البناء نفسه ، يبدو أنه لم يستطع ذلك ، فجلس و أخرج صرة فيها خبز مع رأس بصل ، وأكل خبزة وبصلة بنهم شديد ، قال له : أتمنى أن آكل كما يأكل هذا الريفي ، وأن أتخلى عن كل هذا المنصب ، وعن كل هذه المظاهر ، يبدو أن هذا الوالي كان محروماً من الطعام لسبب مرضي أو عنده مشكلة ما .
فأحياناً الإنسان يأكل صحن فول ، صحن حمص ، كأس شاي مع قطعة جبنة ، صحته طيبة ويأكلها ، يستمتع بها ، هذه أيضاً نعمة كبيرة جداً .
هناك شخص محروم الطعام والشراب ، حمية دائمة ، مشكلات دائمة ، لا تنسى نعم الله عز وجل ، دائماً علم نفسك ألا تبحث عن الذي ينقصك ، ابحث عما عندك ، هذا العلم النفسي اسمه " تفاؤل " ، صحة نفسية ، وهناك إنسان متشائم ، المتفائل دائماً يشكر ما عنده من نعم ، والمتشائم يبحث عن النقص ، لا يملك سيارة ، بيته ليس ملكه مثلاً ، عنده بنات فقط، المتشائم ، والسوداوي ، والشقي هو الذي يبحث عن النواقص دائماً ، أما المؤمن الصادق يبحث عما عنده ، عنده نعم لا تعد ولا تحصى ، ولو أمضى حياته كلها في شكرها لما وفى هذا الشكر ، وأكبر نعمة الله خلقك ، أنت موجود ، هذه نعمة الإيجاد ، لماذا خلقك ؟
( سورة هود الآية : 119 ) .
السيارة لماذا صُنعت بالأساس ؟ لماذا هذا المعمل صنع السيارة ؟ من أجل أن تمشي ، لا يوجد إنسان يشتري سيارة يوقفها بمكان ويتأمل فيها ، يركبها ويمشي بها ، لكن السيارة فيها مكابح ، المكابح تتناقض مع سبب صنعها ، المكبح يتناقض مع السير ، لكن هذا المكبح لسلامتها ، هو وإن تناقض معها إلا أنه لسلامتها .
الحديث الثاني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( الذي يشرب في إناء الفضة يجرجر في بطنه نار جهنم )) .
[ متفق عليه عن أم سلمة] .
آنية من الفضة الخالصة ، آنية من الذهب ، ملاعق من الفضة الخالصة ، إن الذي يأكل ويشرب ، ومن شرب من إناء من ذهب أو فضة ، هذه روايات الحديث ، لذلك من المحرمات والنبي يقول :
(( الذي يشرب في إناء الفضة يجرجر في بطنه نار جهنم )) .
[ متفق عليه عن أم سلمة] .
أولاً : فيها كبر ، ثانياً : فيها استعلاء ، ثالثاً : فيها بذخ ، فيها استهلاك للمال ، لأن الفضة هي نقد ، مثلاً عملنا مجسماً بساحة عامة ، وأتينا بخمسين أو ستين ملياراً ، ولصقناها سوية ، بعد ذلك قمنا بدهنهم ، فالستين ملياراً لو كانوا بين أيدي الناس ، وأصبحوا نقداً متداولاً لحلوا مليون مشكلة ، أنشئت معامل ، أنشئت مزارع ، أنشئت مدارس ، نحن جمدناهم بمجسم جمالي ، هذا خطأ كبير ، هذا الورق من أجل التداول ، لا من أجل الزينة ، فالفضة والذهب نقد .
أنا لم أكن أعرف قيمة الذهب ، حتى قرأت مقالة عن باخرة بين أوربا وأمريكا ، غرقت في عمق البحر ، محملة بخمسة طن من سبائك الذهب ، قبل سنوات ، الباخرة غرقت من ثمانين أو تسعين سنة فبعد أن أخرجوها بدا الذهب كأنه مصبوب الآن ، ثمانون سنة بقاع البحر ، ومياه مالحة ، ما معنى معدن نفيس ؟ أي لا يتأثر لا بالرطوبة ، ولا بالماء، ولا بالعوامل الجوية ، ولا بالأملاح ، هذا الذهب مغسول كأنه الآن مصبوب .
الله جعل الذهب والفضة معادن ثمينة لتكون قيماً للأشياء فأنت بهذا جمدته ، يمكن أن تستعمل المرأة الحلي ، أما جمدته بأدوات كان من الممكن أن تكون في مجال آخر ، هذا فيه كبر ، وفيه استهلاك ، وفيه استعلاء ، و فيه زهو ، وفيه نوع من البذخ ، هذا الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام .
وعن حذيفة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( لا تَلْبَسُوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ ، ولا تَشْرَبوا في آنيةِ الذهب والفِضَّة ، ولا تأكلوا في صِحافها ، فإنَّها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة )) .
[ متفق عليه عن حذيفة] .
طبعاً نريد أن نفرق بين الآنية المفضضة ، والآنية التي من الفضة ، من فضة أي خالصة ، أما المفضضة العلماء أعطوا بعض الإجازة مع الكراهة ، تكون آنية مفضضة أي مطلية بالفضة .
قال لي شخص : ما الطريقة لنعرفها ؟ قلت : من سعرها ، إذا كان سعر الصينية يساوي سعر الفضة الخالصة زائد تصنيعها تكون من الفضة ، أما إذا كان واحد بالمئة من وزن الصينية معناها مفضضة ، إذاً :
(( لا تَلْبَسُوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ ، ولا تَشْرَبوا في آنيةِ الذهب والفِضَّة ، ولا تأكلوا في صِحافها ، فإنَّها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة )) .
[ متفق عليه عن حذيفة] .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا يأكلنَّ أحدُ منكم بشِِمالِه ، ولا يشربَنَّ بها ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشربُ بها ، قال : وكان نافع يزيد فيها : ولا يأخذُ بها ، ولا يُعطي بها )) .
[ رواه مسلم عن ابن عمر ] .
لا تأكل ، ولا تشرب ، ولا تأخذ ، ولا تعطي بشمالك ، هذه من السنة ، اليمين للأكل ، والشرب ، والعطاء ، والأخذ ، والشمال لقضاء الحاجة ، وتنظيف الجسم .
و للنبي الكريم كثير من التوجيهات في السنة أساسها توجيه صحي ، هذه اليد مكرمة ، اليد اليمين ، مكرمة ، مقدسة ، تأخذ ، وتعطي ، وتأكل ، وتشرب .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنفَّس في الإناء )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس] .
وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه ثبت الآن أن هناك نوعاً من العدوى تتم عن طريق التنفس ، فالإنسان إذا شرب كأس الماء ، وأراد أن يجعل الشرب ثلاثاً ينبغي أن يجعل الإناء بعيداً عن فمه ، لأن هناك حالات قليلة هواء الزفير إذا امتزج مع الماء نقلت بعض الأمراض ، فكان صلى الله عليه وسلم :
(( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنفَّس في الإناء أَو يُنفخَ فيه )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس] .
مرة قرأت أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أكل التمر من طبق ـ طبعاً أمسك التمرة ، وضعها في فمه ، فلما أكلها كاد أن يخرج النواة ، ويمسكها بيده ، ويضعها على الطبق ، ثم أراد أن يأكل تمرة ثانية ، فلامس لعابه التمرة الثانية ، لو أنه أمسكها فرآها قاسية، فتركها إلى غيرها ، ما الذي حصل ؟ لعاب الإنسان وصل إلى هذه التمرة ولم يأكلها ، أكلها غيره ـ كان عليه الصلاة والسلام إذا أكل التمر وضع النواة على ظاهر إصبعيه ، يجمع أصابعه الثلاثة يضع النواة هنا لتبقى باطن إصبعيه جافة ، ولو أكل تمرة أو اثنتين أو ثلاث لا ينتقل لعابه إلى الطبق ، هذه قد لا ينتبه لها أحد ، لو إنسان أكل التمر ، وأخرج النواة ، وأمسكها ، طبعاً النواة لامست لعابه ، وأصابعه لامست النواة ، ثم أمسك بعض التمر وضع يده على واحدة وجدها قاسية تركها وأخذ الثانية .
فهذه النقطة انتبه لها النبي عليه الصلاة والسلام ، كان في أعلى درجة من الذوق، أعلى درجة من الرقة ، قيل له : ما هذا الأدب ؟ قال :
(( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) .
[ابن السمعاني في أدب الإملاء عن ابن مسعود] .
أحياناً الإنسان يأكل البطيخ بعد أن ينحته ويتركه بشكل منفر ، كان عليه الصلاة والسلام إذا أكل البطيخ وضع الحز على ظهره ، منظره أجمل ، إذاً يوجد عدد كبير من الطرق في الأكل فيها لطف ، فيها أدب ، فيها ذوق .
إذاً :
(( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنفَّس في الإناء أَو يُنفخَ فيه )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس] .
(( نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَشربَ من فيِّ السِّقاءِ )) .
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ] .
من فم الإبريق ، مثل الآن يوجد كأس للشرب ، ويوجد إبريق ماء ، و لكن هناك شخص يشرب من الإبريق مباشرة هذا منهي عنه ، أيضاً إذا إناء فيه ثلمة ، كان ينهى أن يستعمل ، لأن هذه الثلمة فيها جراثيم ـ الإناء المشعور ـ فالإناء ما دام فيه شق هذا يحمل الجراثيم .
قال لي أخ كان يعمل بمعمل أدوية ـ هو وكيل شركة أجنبية ، معه امتياز ـ قام ببناء معمل له ، فعندما أراد أن يأخذ مواد أولية ويصنع ، جاءت الشركة لتفحص البناء ، و إذ بالبناء لا يناسب ، ما المشكلة ؟ البناء درجة أولى و قد رأيته أنا ، قال : يجب ألا يكون به أي حدٍّ هكذا ، فالبناء كله خطوط منحنية ، و الجراثيم تقعد بالأماكن الحادة ، فاضطر أن يغير كل هذه الحدود ، والزوايا القائمة التغت و صارت زوايا منحنية ، بالسقف ، وبالأرض ، وبالأطراف ، وبالممرات ، البناء كله أصبح زوايا منحنية ، لا زوايا قائمة ، الجراثيم لا تجد مكاناً ترتاح فيه إلا هذه الأماكن الحرجة .
فلذلك هذا شيء حديث جداً ، الإناء إذا فيه كسر ، أو شق ، الجراثيم تعشش في هذا المكان ، و أيضاً إناء فيه ثلمة نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يستعمل .
آخر حديث ، عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال :
(( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قَصْعةُ يقال لها : الغرَّاءُ ، يَحملها أربعة رجال ، فلما أضْحَوْا وسجدوا الضحى ، أُتِيَ بتلك القصعة وقد ثُِرد فيها ـ فيها طعام فيه مرقة ـ فالتَفَّوا عليها ، فلما كثروا ، جَثى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له أعرابيُّ : ما هذه الجِلسةِ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اللَّه جَعلني عبداً كريماً ، ولم يجعلنى جَّباراً عنيداً )) .
[ رواه أبو داود عن عبد الله بن بسر] .
أي جلس جلسة العبد ، والله حدثني شخص قال لي : والله كنت أحضر وليمة ـ أقسم بالله ، وهو عندي صادق ـ بالخليج ، أمير كبار الأمراء ، دعا عشرة أشخاص ، و أحضر منسفاً يحمله اثنا عشر رجلاً ، عليه جمل مكتف ومحشو لحم وفستق ، وعليه خروف مكتف ، قال لي : هذا المنسف يطعم ألف شخص ، هو لعشرة أشخاص ! أي أكلوا واحد من مليون منه ، بعدما انتهوا الأمير غسل فوقه ، قال لي : أنا لم أتحمل ، فسألته بأدب : هل من المعقول ألا يوجد من يأكل هذا الأكل ؟ قال له : لا أحد يأكل بعدي .
النبي صلى الله عليه و سلم جلس أمام هذا المنسف جلسة العبد :
(( فقال له أعرابيُّ : ما هذه الجِلسةِ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اللَّه جَعلني عبداً كريماً ، ولم يجعلنى جَّباراً عنيداً )) .
[ رواه أبو داود عن عبد الله بن بسر] .
ثم قال عليه الصلاة والسلام :
(( كلوا من جوانبها ، ودَعُوا ذِرْوَتها يبارَكْ فيها )) .
هذا أدب بالطعام ، تأكل من أطرافها ، أما رأس الطعام ، وجه الطعام ، هذا دعه، كُلْ من أطراف الطعام ، هذه السنة .
(( كلوا من جوانبها ، ودَعُوا ذِرْوَتها يبارَكْ فيها )) .
و في رواية ثانية :
(( البَرَكةُ تَنْزِلُ وسط الطعام ، فكلوا من حافَّتَيْه ولا تأكلوا من وسَطه )) .
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ] .
وفي رواية ثالثة :
(( إذا أكل أحدُكم طعاماً فلا يأكُلْ من أعلى الصَّحْفة ، ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها )) .
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ] .
إذاً ملخص الدرس : الأكل من أطراف الصحن ، والإناء ينبغي ألا تشرب من فمه ، وألا تنفخ فيه ، وأن تبعده عن فيك ، وعدم استعمال الحرير والديباج ، ولا آنية الذهب ولا الفضة ، وإذا أكلت الطعام فاحمد الله عز وجل ، وقل : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام .
أنا كلما أجلس لطعام ، وأكون بدعوة بوليمة ، أتذكر قول سيدنا عمر ، قال :
" ما عندك يا أم كلثوم ؟ ـ عنده ضيف من أذربيجان ، ضيف مهم جداً ـ قالت له : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، قال : هاتيه لنا " .
خبز وملح ، انظر ولائم الناس ، الفواكه ، الشراب ، الحلويات ، الفتات ، الشوربات ، الكبسة ، الكبة ، البرك .
" قالت له : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، قال : هاتيه لنا ، بعد أن أكل قال : الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني ، وأسقاني فأرواني " .
سيدنا عمر عملاق الإسلام ، خليفة المسلمين ، عنده بالبيت خبز وملح ، لابأس ، أما الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني ، وأسقاني فأرواني ؟!
لذلك أخواننا الكرام ، وبالشكر تدوم النعم ، أنت اجهد أن تشكر ما عندك ، ولا تبحث عن الذي ينقصك ، الله عز وجل قال في الأثر القدسي :
(( ابن آدم كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك )) .
[ ورد في الأثر ] .
و الحمد لله رب العالمين
about ... me- رئيس المنتدى
- عدد المساهمات : 123
نقاط : 1006855
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/05/2010
العمر : 34
مواضيع مماثلة
» الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر...
» الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر...
» الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر...
» السيرة النبويَّة : شمائل الرسول صلى الله عليه وسلَّم نظافته صلى الله عليه وسلَّم .
» من كان الله معه
» الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر...
» الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر...
» السيرة النبويَّة : شمائل الرسول صلى الله عليه وسلَّم نظافته صلى الله عليه وسلَّم .
» من كان الله معه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى